الثلاثاء الفائت، حضرت وبعض الزملاء من كتاب الشرق، استضافة نائب أمير المنطقة الشرقية الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد، وذلك في مقر مكتب الصحيفة في الدمام. وبطبيعة الحال، يقع رئيس التحرير في خط الأمام، لذا فقد بدأ الحديث برئيس تحرير «الشرق» قينان الغامدي حول ما تعنيه هذه الزيارة للصحيفة، مشيرا إلى تأكيد التزامها بقيمها الإعلامية الأساسية المتمثلة في ثُلاثية هي: احترام قيم الدين الإسلامي الوسطي المعتدل، والالتزام بالوحدة الوطنية، والولاء للقيادة. وجاءت المناقشات بعدها بها من الانفتاح والصراحة ما يليق بلقاء ودي، وتضمنت ملاحظات ومداخلات. لكن أجوبة الأمير فاجأتنا وجاءت أطول من المتوقع لتساؤلاتنا القصيرة. استخرج الأمير من صدره الكثير من المواقف والقصص التي عاشها كمسؤول. تناولت أولى المداخلات مشكلة شحّ المعلومات الحكومية التي يقدمها الناطقون الإعلاميون، حيث تسبب في خلق هوة، تتسع مع الوقت، بين وسائل الإعلام والأجهزة المعنية. لم يناقش الأمير حول هذه المسألة بل أمّن عليها، وأكد أن هناك اهتماما بهذه القضية، وأن الأجهزة الحكومية تلقت تعليمات صريحة من الإمارة بالتفاعل مع ما يطرحه الإعلام، والاستجابة لتساؤلات الإعلاميين. إلا أن هناك، بطبيعة الحال، معلومات، قد تؤثر سلبا على الجانب الأمني وأداء أجهزة الأمن، وذلك في آلية القبض على المجرمين، وهو يحدث في أنظمة كل العالم. وهذه المعلومات تعتبر استثناء، بحسب الأمير، مشيرا إلى مثال «تعطل القبض على تجار مخدرات بسبب تسرب معلومات للصحافة حول القضية». كان سخيا وهو يرد على تساؤلاتنا حول التواصل، وحول إمكانية عقد لقاءات دورية تفاعلية للمناقشة في بعض الشؤون المحلية التي تهم الإعلام، خاصة مع تطور الوعي بالصحافة كسلطة رابعة، وتعامل المواطنين مع الإعلام بصفته الطريق الأقصر للوصول إلى المسؤول، فرد الأمير «مجلسنا مفتوح دائما لكل قضايا الناس لنستمع إليهم بغية حلها دون الاضطرار للجوء إلى الإعلام، إن قدر إمارات المناطق أن تتشرف بخدمة الوطن والمواطن، وأبوابها مفتوحة، ومن حق الجميع أن يقصدوا إمارة الشرقية في أي حاجة، ولن يمنع أحد من الوصول إلى أمير المنطقة أو نائبه، هذا دورنا». تناول الاجتماع أيضا بعض القضايا الإعلامية وموقعها من اهتمام الدولة والمجتمع. وأشار الأمير إلى دور الإعلام في «تعزيز روح المواطنة، واحترام الثوابت، وتفهّم المتغيرات». ولذلك فقد أكد على «ضرورة التزام الحرية المنضبطة، وممارسة النقد البنّاء الذي يُفضي، ليس إلى إثارة فحسب، بل وضع حلول للمشكلات التي يعرضها الكتاب في المنابر الإعلامية». وتطرق الحديث إلى صناعة الإعلام، والكتابة الصحفية التي رأى بأن بعضها يميل إلى الإبهار على حساب المضمون «قرأت مرة خبرا عنوانه يقول: «مصادمات بين القوات البحرينية والقطرية في حفر الباطن»، من يقرأ العنوان يصاب بالذهول، إلا أنها كانت في مضمونها تصادم «وايتات» تابعة للقوات!، مثل هذه العناوين تبحث عن الإثارة غير المناسبة» قال الأمير، الذي شدد على أن من واجب الكتاب أن لا ينسوا أنهم جميعاً مواطنون، والجميع معني بخدمة الوطن». بالمجمل، كان لقاء حسنا في رمزيته. وأرجو أن تأخذ أجهزة العلاقات العامة في المؤسسات الحكومية مسألة المداومة على تحديث قنوات الاتصال لديها في الاعتبار، حيث تكنولوجيا التواصل تتطور، وحيث حاجة الناس لهذا التواصل تتنامى. وهي بطبيعة الحال أجهزة خدمية تعنى بالمواطن. والإعلام بطبيعة الحال هو «وسيط» بينهما، لذا فهو حاضر بقوة في سلسلة هذا التواصل الحتمي، لتحسين الأداء، وتعزيز عملية التنمية. فبدلا من أن يقدم الصحافي معلومات منقوصة أو حتى غير دقيقة، بإمكانه الحصول عليها لتقديم الرأيين، ليتمكن كل الأطراف من المساهمة في إيجاد حلول منطقية. هذا، بلا شك، جزء رئيس من دور الإعلام، هو الذي يواجه منافسة شرسة من قبل الإعلام الاجتماعي، وقد يكون بديلا عنه في كثير من الأحوال. هذه هي الحقيقة التي ينبغي الاعتراف بها، وإلا تحول الإعلام التقليدي إلى مجرد مانشيتات بائتة، لا يعترف بها ولا يلتفت إليها أحد. أتمنى لو يتابع كل مسؤول ما يدور في مواقع الإعلام الإجتماعي، ليشاهد، وبدون وسيط، كيف يتطور تفكير الناس، وكيف يرون أداء الأجهزة، وما هي مشكلاتهم التي عليه حلها. بعض المسؤولين انعزاليون ويعيشون بمنأى تام، وهذا لم يعد مجديا البتة. لقد حان عصر الظهور والتواصل المباشر مع الناس، وبذا يتعزز الفهم حول ماهية المسؤولية، التي تطال، بطبيعة الحال، تشعبات أخرى.