شهد مهرجان الدمام المسرحي للعروض القصيرة في دورته التاسعة التي اختُتمت مؤخراً، وحملت اسم الإعلامي والشاعر الراحل شاكر الشيخ، فعاليات عديدة، ومشاركات من مسرحيين من المناطق السعودية، والخليج العربي. «الشرق» التقت على هامش المهرجان عضو لجنة التحكيم الفنان الإماراتي إبراهيم سالم، للحديث حول المسرح وهمومه: * هل دخل المسرح السعودي مجال المقارنة مع بقية دول الخليج؟ لا أريد أن أكون في هذا الوضع. أتيت كمحكّم، ولأول مرة أدخل هذا المهرجان، ولن أدخل في موضوعات المقارنة بين شكل ورؤية المسرح. يبدو لي أن هناك إشكالية حول المسرح العربي عموماً، وهل وضعنا المسرحي حقيقي، أو صحيح، وهل يوجد تطور حقيقي في المسرح. مشكلتنا في الوطن العربي عموماً أننا نلهث وراء شيء اسمه تكنولوجيا، أو تقنية في المسرح، في حين أن دول العالم اكتشفت بعد تجربتها الكبيرة منذ 500 أو 600 عام من التعاطي مع المسرح أن أهم ما في المسرح هو الفنان الممثل، والفكرة التي ستقدمها. أما التكنولوجيا فمكانهما في التلفزيون والسينما، ومهما حاولنا لن نستطيع أن نصل إلى ربع ما وصل له الكمبيوتر، أو السينما، في استخدامه المؤثرات. والتأثير الوحيد الذي نملكه هو لحظة الوعي بين الممثل والمتلقي، الذي يحمله عرق الممثل وجهده، وفكرة العمل المطروحة، ولو انتبهنا لذلك سنقدم مسرحاً حقيقياً، ورؤية مسرحية حقيقية. * هل جميع أعمالنا التي تقدم خالية من الرسالة؟ المشكلة التي تحدث، وهذا الكلام سيكشف أوراقي كعضو لجنة تحكيم، أن المسرح السعودي، مثله مثل بقية المسارح في الدول العربية، يلهث وراء مسألة التعامل مع التقنية والتكنولوجيا، والشيئان الأكثر أهمية مغيبان، وهما الفكر والممثل الذي يحمل رسالة المسرح. * هل تقصد بكلامك كل الدول العربية، ومصر، مثلاً، ألا تتفوق علينا مسرحياً؟ هي ليست لعبة كرة قدم ليكون هناك تفوق. نعم، أقصد كل الدول العربية، وعندما نتكلم عن دولة مثل مصر عمر مسرحها مائة عام، في حين أننا في الخليج نتعامل مع المسرح منذ أربعين أو خمسين عاماً. والمشكلة الأساسية أننا في الإمارات إذا أردنا أن نطور من المسرح الإماراتي لابد أن نلجأ للإنسان الإماراتي، وبيئة الإمارات، والمكان الإماراتي. * هل تقصد كتراث؟ ليس كتراث فقط، بل حتى من باب الواقع، والتغيير الحاصل للإنسان. والتراث هو أكثر ما يستخدمه كتابنا في دول الخليج للهروب من مواجهة أفكار الواقع. * هل أنت ضد التراث؟ أنا مع التراث، وتقديمه في المسرح، لكنني لست مع الهروب من تقديم فكرة ورسالة، وهناك وجهة نظر خاطئة هي أن الجمل الشعرية لا تستخدم إلا في التراث، والصحيح أن هناك لغة شعر حتى في الكتابة المسرحية المعاصرة، والسؤال هو كيف ألتقط هذه الجملة الشعرية، وكيف أربط الشعر بالمسرح، وأكبر دليل على كلامي هو شكسبير. وهناك من يقول إن الكوميديا أقرب إلى الجمهور، ومرة أخرى لماذا لايزال شكسبير أكثر حضوراً من موليير الذي قدم الكوميديا، بينما قدم شكسبير التراجيديا. * هل هناك دولة عربية استطاعت أن تتفوق في هذا النوع من المسرح؟ مشكلتنا التأويل، في محاولة للهروب من اعترافنا بالكسل. التجريب له تعريف مختلف في قضية التركيبات الكيماوية والمختبرات، والتجريب أن تأتي بعنصر وعنصر مختلف وعنصر آخر مختلف وتركب منهما مادة ثالثة. وهذه العناصر المختلفة موجودة في الواقع، وفي بيئتي وواقعي وإنساني وترابي، والمادة الثالثة مشروع اختراع فكرة. وعندما أرى عملاً عبثياً، أو تجريبياً، أو لا معقولاً عند الأوروبي، فلأنه يفهم وضعه، والمسألة جاءت معه في أعمال خاصة في الحربين العالميتين، وما بينهما، ومن هنا جاءت الأفكار التجريبية، من العبث، واللامعقول، والرمزية، والسريالية، وغيرها. أتت من استنباط الواقع الذي يعيشه الإنسان بعد هذه الحروب، وعندما نضع خطاً تحت كلمة الواقع التعس سنفهم إلى أين نحن متجهون في التجريب. * المؤلف يقول في نصه فكرة، أو رسالة، لكن ماذا لو لم تصل الفكرة إلى المشاهد؟ المشكلة مشتركة بين المؤلف والمخرج والممثلين الذين لم يأخذوا تدريباتهم. وهناك من يقول لي لماذا لا تراعون في لجنة التحكيم أن هذا الممثل كان في حمى مثلاً، أو سمع بخبر سيئ! هذه ليست مشكلتي، ولا مشكلة لجنة التحكيم، ولا المشاهد، هي مشكلة الممثل، إما أن يختار ألا يؤدي دوره، أو أن يكون بحجم المكان الذي هو فيه، وكمشاهد لابد أن يحترمني. وهناك من يتحدث عن الجرأة في الفكرة، وهي مشكلة في وطننا العربي حين يصطدم مع الرقابة. نعم، الرقابة ستكون ضدك، لأنك لست واعياً بما تريد تقديمه، فالدراما هي الأساس، وليست الجرأة. من أيام شكسبير ونحن نتحدث عن مسرحية هاملت، ونجد فيها البعد السياسي والاجتماعي والشعري والإبداعي، وكلها في خدمة العملية الدرامية، والحبكة والقصة التي لها بداية ونهاية وعقدة في النص، وهذه هي الدراما الحقيقية. أما أن أقول إنني سأكون جريئاً في طرح الربيع العربي، والوضع السياسي في البلد، فهذه مكانها المنبر والخطابة. * كيف نصنع «شكسبير» هنا؟ المسألة ليست محتاجة لكل ذلك. المسرح هو دراما، والدراما صراع بين شخص وأشياء. ولو دخلنا في هذه اللعبة، وعرفنا تفاصيلها ودراستها بشكل جيد، سنمتلك مسرحنا. يجب أن نضع أن الممثل هو الذي يتحرك على الخشبة، لأن الناس لن ترى إضاءة، ولا ديكوراً، بل الممثل على الخشبة، وهم يتعاطفون مع أحد الممثلين، أو يكرهونه، أو لا يبالون به، وهذه القضية تُوجِد تعلماً في اللاوعي. * ألم تقدم الأفلام والمسلسلات هذه المسألة؟ أنا لست ضد التلفزيون، بل ضد الأعمال المكررة التي تقدم. والتعلل بالرقيب سببه أنه ليس لدينا مجال أن ننوع في أعمالنا، وهناك 80% من أعمالنا عن التوريث وصراع العائلة على ذلك، وكأنه لا توجد قضايا غير هذه. أي فكرة تريد تقديمها لابد أن تكون صادقاً فيها، ويجب أن يعلم فريق العمل أن ذلك هو الأهم، وسيكون الناس معك عندما يرونك صادقاً. * لاحظنا وجود انفعال مصطنع بالنسبة للجمهور الشبابي. ما تعليقك؟ أنا متأكد أنه إذا كنت صادقاً، وإحساسك صحيح، وحين تكون مؤمناً برسالتك، لن تكون هناك مبالغة في الانفعال من الجمهور. * إذا كان أهم العناصر الممثل، فهل مشكلتنا مشكلة مؤلف، أو مخرج؟ المؤلف له يد، والممثل له يد، والمخرج له يد، وكلهم مجتمعين يمثلون فريقاً واحداً. ولو كانوا صادقين سيحلون مشكلاتهم. * ما رأيك في المسرح السعودي؟ أنا معجب بالتجارب الشبابية في المملكة. الشباب متحمس، وبعد عشر سنوات ستكون لهجتنا مختلفة عند الحديث عن هؤلاء الشباب، ومن الممكن أن يكونوا مفتعلين اليوم، لكن بعد عشر سنوات ستكون لهجاتنا عند الحديث عنهم مختلفة، والمسرح أيضاً سيكون مختلفاً. * لماذا لايزال المسرح السعودي في بداياته، رغم أن لدينا روّاداً في المسرح؟ المسرح السعودي ليس في بداياته، وقضية الاستمرارية بيد الشباب، والسؤال: هل سيستفيدون من أخطائهم؟ لابد أن يأتي يوم تتغير فيه الأمور كلها، ليس لرغبتنا في التغيير، لكن التراكم التعليمي هو من يُوجِد هذا التغيير. أنا متفائل بالمسرح في السعودية، طالما أن هناك من يعي أهمية المسرح، وستأتيهم آذان تسمعهم بكل تأكيد.