«بختصر عليك الكلام يا بني لأن إخوانك رددوا هذا الكلام قبل كدا، شوف يا بني الدولة من سنة 71 أعلنتها دولة العلم والإيمان»، بهذه الكلمات قاطع السادات الطالب عبدالمنعم أبوالفتوح في السبعينيات قبل أن يغضب السادات بشدة في حديثه عندما استفزّه الطالب الشاب بجرأته وقوله «مش سيادتك اتهمت الإخوة والطلبة الذين كانوا في المسيرة أنهم شرذمة وأنهم كانوا بمنتهى الوقاحة وأنهم ذو اتجاه معين.. شيوعيين..»، «سيادتك تتحمل المسؤولية إذا كانوا شرذمة...»، «أنا عاوز أسأل حضرتك سؤال ويكون الرد عليه بصراحة.. أنا كشاب القيادة السياسية في مصر عاوزة تربيني على إيه.. أبقى شيوعي والّا مسلم والّا زنديق والّا عابد بقر والّا إيه؟». بعد أكثر من ثلاثة عقود يبدو أبوالفتوح الآن هو المرشح الأوفر حظاً في الانتخابات بعد رفض اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة طعون المرشحين العشرة، وتوقعت ذلك صحيفة نيويورك تايمز. أبوالفتوح يبحث الآن عن إجابة سؤاله ويقدم هذه الأيام برنامج حملته الانتخابية لرئاسة مصر 2012 – 2016م . يبدو الآن أفضل مرشح توافقي لكثير من الاتجاهات الإسلامية والليبرالية واليسارية الذين يبحثون عن شخصيات معتدلة، إلا أن البعض يتخوف من إخوانيته السابقة في بعض التعليقات المتحفظة. في الموقع الرسمي لهذه الحملة التي تبدو أكثر تنظيماً من غيرها ومعدة بعناية، مع مقاطع اليوتيوب المتنوعة. في برنامج «اسأل أبوالفتوح» على موقعه يظهر في مكتب أنيق بديكور أبيض مع علم كبير لمصر، ولوحة صغيرة جانبية على المكتب بزخرفة إسلامية جميلة مكتوب فيها لفظ الجلالة. من التطورات الإيجابية في البرامج الانتخابية عدم وجود تضخم وجاذبية للشعارات الأيدلوجية، مقارنة بالعقود السابقة، ولهذا كان حضورها هامشياً في كثير من الأحاديث والحورات، فالتركيز الأكبر كان على الجانب الاقتصادي والتعليمي ومسألة الفقر. لم تحضر عنتريات ومزايدات تذكر بالشأن السياسي الخارجي والصراع مع العدو الإسرائيلي، باستثناء مطلب إعادة مكانة مصر في السياسة الخارجية. في هذه المرحلة تتاح للإنسان العربي مشاهدة تجربة ثمينة، وهو يتابع برامج سباق الرئاسة المصرية، فهي الأهم لتنمية الوعي الشعبي بتحديات المستقبل من متابعة الاحتجاجات وسجالات الديمقراطية ومشكلة الاستبداد.. فجميع الفرقاء سيصدمون في النهاية بالسؤال الأصعب: كيف ننهض، وبماذا نبدأ؟ التحدي الأكبر الذي يواجه الرئيس القادم هو: كيفية وضع مصر الثورة على طريق التحديث، وهو أمام أوضاع بالغة التعقيد، في لحظة تاريخية نادرة بعد عدة عقود من الجمود السياسي. الشعب المصري لأول مرة يشارك في التفكير بمستقبله وما هي المشروعات المفترضة لإنقاذ مصر. يمكن اعتبار أن أهم منجزات الثورة المصرية حتى الآن صعوبة تحديد هوية الرئيس القادم، فالفشل كان مصير كل توقع وتصور جديد لسيناريو مؤامرة.. كما حدث بعد ترشح عمر سليمان، وما كشفته من ردود فعل، وحلم العودة للمربع الأول عند خصوم الثورة، لكن استبعاده السريع أوقف هذا المسار من التحليلات. بالرغم من خطورة استطالة الفترة الانتقالية وما قد ينتج عنها من أزمات اقتصادية وسياسية قد تصعب السيطرة عليها، إلا أنها أتاحت لمتابع الحالة المصرية الكشف عن طرائق تفكير وأنواع كثيرة من الخطابات السياسية بعد أشهر طويلة من تجاوز صدمة السقوط السريع والمفاجئ لمبارك. لقد انشغل الكثيرون بالحديث عن الثورة والديمقراطية والحريات وتفاصيل الصراعات اللحظية بين التيارات، ولم يتأملوا في طبيعة التحدي الحقيقي، كيف تصنع برامج نهضوية لدولة كبيرة مثل مصر. هذه الفترة الطويلة تتيح للمراقبين متابعة الكلام السياسي، والأحلام الشعبية، وتخيل الممكن لدولة مصر الجديدة. النكتة المصرية تشارك أيضاً في رسم المشهد بالسخرية من الواقع الصعب، وتصور حالة الشعب المصري مع المترشحين.. فبعد ترشح عمر سليمان، تم تداول تغريدة ساخرة في تويتر «قعدنا نقول حازم أبوإسماعيل (المهدي المنتظر لهذا العصر) وخيرت الشاطر هو (يوسف هذا الزمان).. أهو جالنا المسيح الدجال بنفسه عمر سليمان». ليست المشكلة في كثير من دول العالم العربي أنه تم تطبيق نظريات غربية أو شرقية ففشلت. المشكلة الحقيقية أنه لم يطبق أي شيء يستحق النقد والتقويم، فلا رؤية سياسية خاصة، ولا تقليد جيد للغرب أو للشرق، ولم يكن للدساتير أي معنى، ولا للشعارات حضور حقيقي. لم يطبق سوى أهواء ورغبات الفئة التي قبضت على مقاليد السلطة بخليط من الأفكار الشخصية المبعثرة التي لا تصنع نهضة ولا هوية. فلا العلمانية الحقيقية طبقت على الطريقة الغربية، إلا في استعمالها في ضرب التيار الإسلامي وقمعه بعنف، ولا الاشتراكية طبقت إلا في توظيفها في سرقة ثروات الشعوب، ولا النضال ضد الصهيونية طبق إلا في في بناء أسلحة وجيوش توجه لقتل شعبها. في السنوات الأخيرة تضاءل حجم الخلافات الفكرية في الجانب السياسي العربي بين مختلف التيارات، فالتعثر النهضوي يتحمل الجزء الأكبر منه فساد الأداء السياسي، وحتى مع صعود الإسلاميين الحالي، فالمشكلة الآن ليست أيدلوجية بقدر ما هي بنية في الفساد الإداري والسياسي. يرى فهمي جدعان بأن «ممثلي (الإسلام الحضاري) والقوميين العرب من المسلمين والمسيحين والاشتراكيين الإنسانيين والقطاع الأوسع من العلمانيين والليبراليين لا يترددون في قبول المبادئ الأساسية للثقافة الكونية». مازالت هذه البرامج النهضوية الجديدة والأحلام.. تحت التأسيس في دول الربيع العربي، وعند النزول للواقع ستتبخر الكثير من شعارات الميادين، فهل يستعيد الإنسان العربي ثقته بنفسه وقدرته على تحقيق التقدم لينتقل من ربيع الثورة.. إلى ربيع النهضة؟!