حريقان نشبا في جدة قبل يومين في وقت متقارب الأول في المنطقة الصناعية التي يفترض أن تكون قد انتقلت من مكانها وسط الأحياء منذ زمن وبمسلسل حرائق مستمر، والحريق الآخر في أرشيف بلدية بريمان المتفرعة من أمانة جدة، والأول على الرغم من خسائره المادية الكبيرة يمكن استرجاعه بسهولة بأخشاب جديدة في مصنع الأثاث وترميم المعدات والتجهيزات أو تغييرها، أما الحريق الآخر فعلى الرغم من سهولة السيطرة عليه فإنه يمس أرشيفا يتعلق بمنطقة معظمها في شمال شرق جدة حيث الإشكالات التي ثارت وفاحت روائح الفساد والصرف الصحي وبحيرة المسك والسيول والتعديات على الأراضي، وسواء أكانت قضاء وقدرا أم بفعل فاعل على ما ستكشفه تحقيقات الدفاع المدني والشرطة، فإن هناك من سيدندن بعبارة «جاك يا مهنا ما تمنى»، ومع أن الأمانة صرحت بشكل استباقي وسريع بأن خسائر الأرشيف محدودة نظرا إلى أن المعاملات تتم مع الأمانة بشكل إلكتروني، ومع أننا نظن وبعض الظن إثم بأن بلدية بريمان ليست هي المقر الرئيسي لشركة مايكروسوفت أو أبل، والحكومة الإلكترونية تمشي ب «الدّف» وأصول المستندات التي سارت بموجبها المعاملات الإلكترونية هي أوراق محفوظة بالأرشيف، وهناك ملفات ومعاملات ومستندات ورقية كثيرة بالأرشيف قبل بدء التعامل الإلكتروني، وبدل أن يعتصر الألم قلوبنا على احتراق الأوراق التي تمثل الذاكرة الحضرية للمدينة نواجه قبل أن تباشر لجنة التحقيق في الحريق بتصريح للأمانة بأنه لا أضرار للأرشيف بوجود التعاملات الإلكترونية، وقبلها بسنوات نشب حريق أكبر في أرشيف الأمانة وأظنه كان خاصا بقسم الأراضي والمنح، وقيل وقتها إنه كان بفعل فاعل ومع ذلك لم نعلم عما أسفرت عنه التحقيقات أو حجم الأضرار، وإلى أن تصبح الحكومة الإلكترونية منظومة متكاملة وفاعلة سيتحول الأرشيف من ذاكرة ثمينة لا تعوض للبلدية إلى مقبرة لأوراق ومحرقة لتبرئة الفاسدين و»حرامي بدون عملة شريف»!.