يعشق الخليجيون العود والمسك والعنبر، وذلك العشق لا يقلل من كون تلك الروائح حالات (مرضية) تصيب فصائل معينة من الحيوانات والنباتات. فالعود وحسب أحد التقارير الصحفية نوع من أنواع الفطريات حينما يضرب قلب أشجار الأجالويا، أما المسك فيستخرج من الغزلان المصابة بنوع من الحساسية في منطقة السرة، مما يجعلها تعمد إلى حك بطنها بالصخور، فتتكون نتيجة جرحه طبقة جلدية تغلف سرتها ليشكل ورما تنبعث منه روائح زكية كلما كبر. ولا يختلف العنبر، فهو نتاج قيئ أحد الحيتان الذي يتغذى على الأعشاب وبعض الأسماك، وحينما يتقيأ تخرج منه مادة شمعية سوداء تطفو على سطح البحر تعد المادة الخام لصناعة العنبر. تلك (الأمراض) جعلناها جزءاً من حياتنا، نزكي أنوفنا بها ونتفاخر (بشدة) مرضنا باقتنائها بأغلى الأسعار، استطعنا أن نوجد علاقة (حميمة) تتصف بالتسامح وتناسي ماضي تلك (الروائح) التي نشأ بعضها بسبب العفن أو الأورام أو القيء . لقد حولنا (عندما حكمنا عقولنا للمنفعة العامة) ذلك الماضي (المخجل) لتلك الحيوانات والنباتات إلى ما نفتخر به ونعتز باقتنائه، ولكن المخجل (الحقيقي) أننا فشلنا في تطبيق تلك النظرية (الفطرية) مع أبناء جنسنا البشري الذي أسرف على نفسه (بشطحاته) أو أخطائه فبدلا من تحويل ما هو كريه في (آدميتنا) ومعتقداتنا وأفكارنا إلى (نفيس) يعود بالمنفعة للأمة، لا نجد إلا الحل غير المتسامح في التعامل مع تلك (الكائنات) التي ترتقي بما كرمها الله عن صنف الحيوانات والنباتات، فالضرب بيد من حديد والإقصاء دون الإقناع والاحتكام للعقل والنصح بالدين والحوار الشرعي يأتي في أولوية ردات الفعل! ولنا في محاججة العلماء قديما للزنادقة والمبتدعة وحتى الخوارج و(الملاحدة) أسوة حسنة. يقول الدكتور محمد العوضي أحد المتخصصين الشرعيين إن جرعة ضئيلة من الفلسفة قد تميل بذهن الإنسان إلى الإلحاد، غير أن التعمق في دراسة الفلسفة يلقي بالإنسان في أحضان اليقين، ولذا فإن كبار الأذكياء يعودون بعد إلحادهم، فهذا عباس العقاد أعظم مثقف موسوعي في القرن الماضي بعد نقده للقرآن يعود ليدافع عنه، وإسماعيل مظهر العالم الذي ترجم كتاب دارون (أصل الأنواع)، رجع عن فكره وأخذ يؤلف دفاعاً عن الإسلام. وكما حدث أيضا مع الإمام أبو حامد الغزالى حيث يقول فى كتابه (المنقذ من الضلال): كان التعطش إلى إدراك حقائق الأمور دأبي وديدني، من أول أمري وريعان عمري غريزة وفطرة من الله وضعتا في جبلتي، لا باختياري وحيلتي، حتى انحلت عني رابطة التقليد، وانكسرت عليّ العقائد الموروثة على قرب عهد الصبا. ونجد الدكتور مصطفى محمود يتحدث عن صوت الفطرة الذى قاده إلى النور مرة أخرى حيث يقول: وبدأت بيني وبين نفسي حواراً وقرأت كل ما كتب في الفلسفة وعلم النفس، وتعمقت في قراءة الأديان، رحلة طويلة بيني وبين الأربعة جدران انتهت بشاطئ الإيمان، أحسست بعدها في النهاية أن القرآن جامع مانع، تناول كل شيء في هذا الوجود، ويعطي الإجابات النهائية لكل القضايا التي كانت تحيرني وتشغل عقلي، وليس هذا فقط ولكن القرآن يضم في عباءته كل الأديان والفلسفات وخلاصتها. إننا بحاجة إلى قراءة (التاريخ) الإسلامي قراءة واعية دون (تشدد) لرأي عالم بعينه أو مذهب، لنرى كيف كان سيد الخلق محمد بن عبدالله يبلّغ المخطئ بأسلوب لا يُقحم مخاطبه في الشعور بالإثم، فلم يكن يخاطب الضال أو المجرم وحتى الكافر كمذنب أمامه. كما كان الصحابة الكرام فوق مستوى ثقافة عصرهم بكثير، فكانوا يبلّغون علوم الدين بمستوى ذلك العصر الثقافي. أما علماؤنا (الكبار) في أصقاع الوطن الإسلامي فكانوا يتعاملون مع من (يشطح) بتفكيره بأبوية من خلال بوابة (الحكمة والموعظة الحسنة)، بوابة الاحتضان والإقناع لأجل الإصلاح والتعديل وتحويل تلك الحالات المرضية إلى حالات صحية مؤثرة. إننا بحاجة (الآن) إلى مرشدين (مبتسمين) متسامحين ملمين بالنفس البشرية يعلمون أن الحقائق التي نبلّغها مهما كان مسلما بها، مشكوك في تأثيرها إن لم تُبلّغ وفق إدراك العصر وفهمه وأسلوبه، وبحاجة أيضا إلى اليد الحانية التي تقضي ب(الحكمة) مع أفكارنا (الشاذة) خاصة في هذا العصر الذي يتسم بانتقال الأفكار والمعلومات بسهولة ويسر ف(حمزة) الذي انقطعت أخباره و(العمري) و(خالد) و(الأحمد) يحملون أفكارا مختلفة كان الأولى احتضانهم ك(أبناء) وطن ضمن تطبيقات مشروع (الحوار الوطني) وتطبيق مبدأ (الحكمة) في التعامل والإقناع بدلا من جعلهم في (غياهب الجب)، والذي بدوره لن يزيد (المشكلة) إلا تفاقما.