قرون مضت وقضية الخلاف الديني والتاريخي بين الطائفتين (الشيعية والسنية) لا تزال متأزمة.. حتى وصلت إلى معاداة طرف لطرف آخر، مع غياب حالة الوعي التي بإمكانها أن تردم الهوة بين الطرفين متى ما تم نمذجتها وفق مفاهيم عقلانية مستمدة من سلوكيات ذاتية متأصلة. إن الصورة الذهنية للتاريخ تكاد تكون متأرجحة عند الطرفين وغير واضحة، وبالتالي فإنها مصابة بالعمى الديني الذي يطمس معالم الوحدة ويضيع حدود اللحمة ويؤرخ لصراع أيديولوجي يتجسد كثيرا في الخطاب الديني الذي يتمثله -غالبا- رموز الطائفتين في عالمنا العربي باستخدام أساليب الوصاية الجبرية على الأفراد مما يخلق جيلاً منحازاً لطائفته وعقائدها دون أدنى تفكير وبلا أية قراءة لتاريخ وواقع المرحلة. كلتا الطائفتين تحقق وجودهما الكوني في هذه الحياة، وأعتقد أن وسائل تغذية خطابهما الديني والتاريخي متاحة لهما بما لا يخدش القيمة الدينية ويقلل من منطقها. فهناك عوالم دينية تعد استثناء عند الطرفين لا يمكن لأي طرف أن يمسها أو يقصيها على اعتبار أنها غير مدرجة في تاريخه أو موروثه الديني، بل تحقيق أعلى درجات الاحترام لتاريخ وخصوصية كل طائفة وفكرها هو ما يوطن العلاقة الحميمة بينهما ويكسبها -بدرجة أو بأخرى- مثاقفة نوعية ونهضوية للمجتمع الذي يتعايشان فيه. إن انتشار مصطلحات مثل: «توبة شيعي وتوبة سني -بطبيعة الحال- تؤزم الوضع، وتصعد وتيرة الخلاف أكثر من أنها تحقق بعدا دينيا وثقافيا لأنها مصطلحات إذا ما تعمق مفهومها عند الأفراد غير الواعين في الطائفتين -برأيي- فإنها تنهش ذهنيتهم وتؤطرها بمفهوم فاسد ومترهل يخلق منحى خطرا وتوترا مشؤوما لا يمكن أن تشفى منه عقول هذه الأمة.