بعد قراءتي لقصيدة (ما ينبغي أن يُقال) التي هجت إسرائيل النووية وأدانت الحركة النازية، لست واثقاً من أن غونتر غراس شاعر! خصوصاً وإنه لم يُترجم له -حسب علمي- شيء من مجاميعه الشعرية الخمسة للعربية، ولكني واثق -تماماً- بأن القصيدة التي ترجمها سمير جريس عن الألمانية لا تمت للشعر بصلة تذكر، لا من بعيد، ولا من قريب، فهي مجرد حشو سياسي فاقع، جاء بلغة مباشرة صفراء، دون أي اشتغال على المجاز، أو حتى الاعتناء البسيط بالصورة الشعرية! ولأني أعرف جيداً اللغة الفاتنة التي يمتلكها غراس من خلال قراءتي لرواياته العالمية المترجمة عن طريق أبو العيد دودو وحسين الموزاني وجيزلا حجار وآخرين، أعتقد بأن سمير ترجم القصيدة على طريقة وجبات الفاست فود، عبر متصفح google، ثم دفع بها للصحافة العربية التي تلقفتها سريعاً لتقدمها وجبةً مالحة للقراء. قد يقال الكثير حول القصيدة الجدلية التي شغلت العالم في بداية أبريل الجاري واستنكرتها إسرائيل، وطبّلت لها إيران. ولكن، أياً تكن قيمة القصيدة المترجمة شعرياً، فنحن أمام نص لكاتب عالمي شجاع وضع إسرائيل في إحراج كبير، تماماً كتلك المآزق التي يورطها بها نعوم تشومسكي بين وقت وآخر، حين يضع معادلة ازدواجية المعايير، وسياسة الكيل بمكيالين على الطاولة، ويخبر العالم كله بمقدار بشاعة الجرائم الإنسانية الفظيعة التي ترتكبها إسرائيل دون محاسبة أو خشية من أحد. وهكذا يجب أن يكون الأديب مرآةً حقيقيةً للإنسانية بمعزل عن انتمائه، أو أيدلوجيته، أو عرقه، أو دينه، وليت أدباءنا يتعلمون من غراس ما ينبغي أن يُقال!