تبرّع رفسنجاني بتناول كأس السم نيابة عن خامنئي لإنقاذ الدولة الإيرانية من السقوط المرتقب بسبب الانتكاسات السياسية والاقتصادية المتتالية التي تشهدها البلاد، وعلى عكس المواقف المتعنتة التي يبديها خامنئي فيما يتعلق بسياسة إيران الخارجية والمؤدية إلى المزيد من العزلة الدولية، وجّه رفسنجاني رسالة إلى أمريكا باعترافه الاقتراح على الخميني بضرورة الحوار معها. والمؤكد أن الخبرة السياسية الكبيرة لرفسنجاني تجعل منه قادراً على التكهّن بحجم ردود الأفعال السلبية التي ستنجم عن مثل هذه التصريحات في وقت تشتد فيه الأزمة مع أمريكا. ورغم إدراكه أن خامنئي هو الوحيد الذي من شأنه تحديد نوع وشكل العلاقة مع أمريكا، فإنه عرّض نفسه للانتقادات اللاذعة والمشينة أحياناً بتحمّله المغامرة حفاظاً على ماء وجه المرشد، كنوع من رد الجميل له بعد أن أعاد تعيينه رئيساً لمجمع تشخيص مصلحة النظام قبل أسابيع. ولا ريب أن رفسنجاني يعد من أبرز أركان السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية على حد سواء، ويدين بالولاء لما تسمّى بالجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي يستمد اعتباره ومكانته منها، وعليه فإنه من غير الممكن أن يلعب دور المتفرّج إزاء المخاطر الجديّة التي تهدّد إيران، خاصة وأن خبرته تخوله إدراك أن الهجمة العسكرية ضد بلاده وبالتالي إمكانية انهيار الدولة الإيرانية بات وشيكاً أكثر من أي وقت مضى. وانطلاقاً من هذه القناعات، فإن التصريحات الأخيرة لرفسنجاني حول الحوار مع أمريكا إنما تعد رسالة للعالم الخارجي مفادها أن صوت العقلانية والبراغماتية لا يزال حيّاً في إيران، والواضح أنه قد تلقى الضوء الأخضر من خامنئي لتجرّع سم الهزيمة نيابة عن المرشد وبنفس الكأس الذي تجرّع منه الخميني من قبل.