للأسف لم أعلم بحلقة المبدع داوود الشريان عن المراكز الصحية إلا بعد انتهائها، ولكثرة ردود الفعل حولها، في محيط عملي، نتيجة مساسها بقضايا نعاني منها، بحثت عن الحلقة في الإنترنت، وتمنيت لو استطعت المداخلة في حينها، لعلي أستطيع أن أدلي برأيي وألقي بعض الضوء من واقع خبرتي المهنية، بدلاً من حصر الأشخاص في زوايا، وإلقاء اتهامات قد تكون جزافاً، أو فيها بعض الإجحاف في حق البعض. للقضية خيوط متشابكة، بعضها واهن، وهو ما أدى إلى هذا التدني الشنيع في مخرجات وزارة الصحة، يتمثل ذلك في الإهمال، وعدم التدريب، وغياب آلية للتخطيط الحالي والمستقبلي، والعمل باجتهادات فردية، قد تخطئ وقد تصيب، وهذا لا يتناسب مع كيان ضخم، وميزانية أضخم، تؤدي إلى مسار محدد، حيث نجد آراء قد تهمل، أو لا تجد من يصغي لها، وقد يتحمس لها المسؤولون، وتسخر لها كل الإمكانات، وتسير القافلة وراءها، لتتوقف فجأة، أو لتغير مسارها تماماً، بعد أن تكون قد أخذت ما أخذت من الجهد والمال والتعب، و قبل جني ثمارها، ناهيك عن الإحباط المستمر واليأس من إصلاح الحال! فعندما طرح الحل في البرنامج، لتحسين المراكز، بوضع قسم أشعة ومختبرات، حتى لو كانت الحاجة لها مرة واحدة في الشهر، بدون الأخذ في الاعتبار للجدوى الاقتصادية، على اعتبار وجود الميزانية لذلك، أقول إنه لا يوجد مكان في العالم بميزانية غير محدودة، والأموال الفائضة تحتاج أن تقنن لتوضع في مكانها الصحيح، تبعاً لخطط مدروسة، قائمة على أسس متينة، وأولويات تكون جدواها الاقتصادية ورؤيتها بعيدة المدى، وأهدافها محددة قابلة للقياس، واقعية، ومرتبطة بزمن محدد. الأمر الآخر: من قال إن إنشاء قسم أشعة سيؤدي إلى تحسين الجودة ورعاية أكبر في المراكز؟ ألا تحتاج إلى من يترجمها بطريقة صحيحة؟ وبناء عليه يتم اتخاذ الخطوات الصحيحة؟ والنقطة الأهم هي أن ركيزة العلاج الأساسية هي بأخذ التاريخ المرضي والفحص السريري لا يستثنى من ذلك مرضى الرعاية الصحية الأولية، و هو بالمناسبة ما يمثل 90 إلى 95% من الحالات التي تأتي لتلقي الرعاية الصحية، والباقي قد يتم علاجه في المراكز والمستشفيات المتخصصة، فعلى هذا القياس، نجد أن افتراض احتياج الأشعة لتشخيص الدرن فيه ضرر على المراجعين، لوجود أساسيات لفحص المشتبه بهم، وهذه الأساسيات يجب أن تكون قائمة على براهين علمية، بالإضافة لخبرة الطبيب، وإلا ستعرض المراجعين لأخطار إشعاعية، هو بغنى عنها، بالإضافة إلى التكلفة، وضعف الناتج النهائي. ماذا يفعل أفضل تصميم لمركز صحي إذا لم تعمل به قوى عاملة مؤهلة؟ ومن أين يأتي التأهيل؟ أليس هو مفرزات وزارة التربية والتعليم؟ ومن بعدها وزارة التعليم العالي؟ هل نستطيع أن نقول بأن خريج كلية الطب الآن يستطيع أن يحمل على كاهله مسؤولية علاج المراجعين بكفاءة؟ هل نستطيع أن نقول بأن خريجي كلياتنا الصحية يستطيعون أن يشاركوا كفريق عمل يكمل بعضه بعضاً في تقديم جودة ترضي مراجعيه؟ هل الكليات الإدارية تخرج أناساً قادرين على التطوير والتخطيط والإبداع؟ أم حفظ وكره مناهج التعليم التي عفى عليها الزمن وهي تساهم في تبلد الإبداع وتطويقه! هل هناك مراقبة على التموين؟ ولماذا تهدر الأموال على أجهزة رديئة الصنع أو بدون قطع غيار و حتى لاتعمل؟ أو تسلم أدوية منتهية الصلاحية؟ ببساطة لانعدام الجرد لما هو موجود و غير موجود! ولا ندري من طلبها وما هي علاقتها باحتياج العمل؟! لماذا لا يوجد تكافؤ فرص؟ حيث القوي يستحوذ على المناصب طوال الوقت بغض النظر عن إدارته وقدرته وكفاءته؟ لماذا لايوجد عدل و مساواة في العمل؟ البعض يعمل من بداية الدوام لنهايته، وقد يحمل من العمل لمنزله، وآخرون منشغلون بحضور دورات و اجتماعات لا جدوى منها، وليس لها مردود إيجابي في بيئة العمل! قد أستمر في «لماذا» إلى ما لانهاية، لأن الرؤية أصبحت ضبابية، وتموهت الأهداف، وضاعت الأولويات، دون أي استراتيجية واضحة الوجه والمعالم، فتارة أصبح الحل في الخصخصة، وتارة في استقدام خبراء، أو تسليم الصحة لأرامكو، أو بابتعاث أو ..إلخ. لذا أقول لا تلقوا اللوم على شخص بعينه، إنها منظومة متكاملة يجب أن تعمل يداً بيد، تحت قيادة محفزة، تؤمن بالقدرة على التغيير، وتبدأ بنفسها، لا تخاف من المساءلة والنقد البناء، لأنه الطريق إلى الإصلاح. وينبغي أن لاننسى أننا تحت قيادة حكيمة فريدة، لا تطلب إلا الإصلاح ومحاربة كل أوجه الفساد، فلنساهم معاً في تحقيق هذه التوجهات بعزم وأمانة وصدق، لخدمة الوطن والمواطنين.