التوصيات ال 16 التي خرج بها «حوار حول العنصرية» في مكةالمكرمة، أمس الأول، تمثّل خلاصة منتقاة لما توافقت عليه عقول المتحاورين من الحقوقيين والأكاديميين والإعلاميين. وبالقدر نفسه؛ فإن التوصيات وضعت تشخيصاً أولياً لما يمكن رصده من ممارسات عنصرية في مجتمعنا، بحيث يُنتج هذا التشخيص علاجاً يواجه المشكلة، سواء اتفقنا على اعتبارها ظاهرة أم اكتفينا باعتبارها حالات متناثرة. ويمكن رصد المظاهر العنصرية في كل المجتمعات، فالعنصرية موجودة في كل بلاد الدنيا بمستويات تختلف بين دولة وأخرى. واختلاف المستويات يعود إلى اختلاف التشريعات والتنظيمات التي تحمي حقوق الإنسان. إذ إن أكبر الدول حرصاً على مكافحة التمييز العنصري واحترام حقوق الإنسان تعاني ممارسات عنصرية بين أطياف شعوبها. ويكمن الفرق بين دولة وأخرى في إيجاد تشريعات تحمي الحقوق وآليات تنفيذية واضحة وذات صلاحيات كافية لاستيعاب التظلمات العنصرية ومعالجتها في ضوء القوانين والأنظمة. وبلادنا ليست استثناءً بين شعوب الأرض. والاعتراف بوجود ممارسات عنصرية خطوة إيجابية نحو مكافحة التمييز، على الرغم من أن الحقائق القائمة لا تشير إلى أكثر من وجود لغة عنصرية صامتة وتكاد لا تظهر على السطح بالشكل الذي يكون الخوف منه على الأمن الاجتماعي. ومن الطبيعي أن حتى هذا الحد من الممارسات يستنفر الحقوقيين والأكاديميين والمعنيين بالقيم الوطنية والاجتماعية ليضعوا توصياتهم ومرئياتهم لحماية المجتمع من أيّ ممارسة عنصرية مهما قلّ شأنها وخف أثرها. إذ إن الهدف الأبعد هو إحقاق مبدأ المساواة الإنسانية بين أبناء المجتمع الواحد، دون تمييز عرقي أو مذهبي أو مناطقي أو أيّ شيء آخر. وإحقاق هذا الحقّ في الممارسة اليومية لن يحول دون وقوع المظالم والأخطاء فحسب؛ بل سيبني ثقافة إنسانية متصلة بجوهر ما يعتني به ديننا الإسلاميّ الذي كرم الإنسان تكريماً عميقاً واحترم إنسانيته، ووضع معيار النقاء والنزاهة أساساً للمفاضلة بين بني البشر وليس شيئاً آخر. وقد كانت التوصيات الحقوقية التي صدرت أمس الأول جريئة في طرحها ومباشرة في تشخصيها الأورام العنصرية التي لا نريد لوطننا أن يكون مكاناً لها. ومن المؤكد أن قيادة المملكة يعنيها أن يكون المواطنون جميعاً أمام معيار واحد وقيمة واحدة، ولا تمايز بين إقليم وآخر، ولا لون ولون مختلف، ولا شريحة أمام شريحة. المواطنون جميعاً أبناء وإخوة تحترمهم المساواة ويحكمهم العدل.