ما يحدث حالياً من جدل ثقافي حول مسائل تجاوزها غيرنا من زمان الزمان، مثل السينما وقيادة المرأة للسيارة وحضورها للملاعب وغيرها من القضايا المعلقة، يؤكد ما سبق وقلته من قبل إن لبّ مشكلاتنا الثقافية والفكرية اليوم يكمن في التفسير الواحد المحدد للدين وفي الطريقة الواحدة والفهم الواحد في تفسير هذا الدين العظيم، بحيث يُختزل الدين كله في رأي واحد لا ثاني له وأنه هو الصحيح وهو الحقيقة وكل ما عداه باطل، كما يفعل بعض إخواننا من الدعاة وأتباعهم ومريديهم على الرغم من أن ما يصدر عنهم مجرد فكرة أو أفكار من حق الآخرين الاقتناع والقبول بها أو رفضها وعدم الأخذ بها، ومن المفترض ألاَّ يتجاوز الأمر هذا الإطار. الفكرة هنا هي التي تصدر قرارات المنع والحجب والإقصاء والإلغاء لكل صاحب رأي مختلف ومحاصرة كل جديد بشبهات الضلال والزيغ. إنها ذات الفكرة التي (تُلزم) أحدنا، بضغط اللاوعي، بأن، يحث أخاه الأصغر، مثلاً، أو ابنه على الصلاة وهو (مُعتم) الوجه و(مكشّر) الفم ومتقزز الملامح صائحاً بصوت (غليظ) على الرغم من أنه يدعو إلى النور والضياء!.. وحين تنظر إلى بعض الممارسات (التفتيشية) المترصدة والمسبقة بسوء الظن، هنا وهناك، ستجد ذات الفكرة الناسجة خيوط الوهم حول معتنقها بأن ما يباح له لا يباح لغيره، فهو الموكل بتخفيف الهلع والرعب حين يعتريان النساء إثر موقف أو حادثة وهو المكلف بإيصالهن وتغطيتهن ولا يجوز للآخرين أن يفعلوا ذلك خشية الوقوع في الغواية! أما هو فمعصوم! هكذا تستحيل الفكرة (إلهاً)، والعياذ بالله، من غير أن يدرك أو يشعر صاحبها، ثم لا تلبث العدوى أن تنتقل سريعاً إلى ذاته، إلى شخصه، فيزيغ عن معنى وجوده كبشر ممن خلق الله، ويبدأ في الإعلان عن نفسه، عبر الصوت والممارسة معاً، كأنموذج (يجب) أن يُحتذى ويُعَمَّم وفق ذات الفهم ووفق الطريقة ذاتها، ومن يختلف أو يرى رأياً آخر، فإن رأيه (مخالف) وضال، ومصيره المصادرة والنبذ بعيداً، والمصير عينه ربما يلقاه صاحب الرأي المخالف إذا تطلب الأمر!