عند قراءتنا للنصوص السردية تحديداً تتجسد أمامنا الذاكرة الغنائية برموزها ، ذلك أن هذه الذاكرة تعبِّر عن حالة وجودية للشخوص ، تنبئ عن عمق الألم أو الفرح ، وبطبيعة الحال لاتخرج عن كونها حالة قلق تنحاز كثيرا لغواية وتقنية السرد المعروفة .فالغناء إضافة إلى أنه يرصد مرحلة من مراحل مضت فإنه بذلك يقنن صياغة الخطاب السردي وربما يفصح عن منظومة تراكمية تسعى لنمذجة هوية البطل ، وتُؤصِّل هاجس الوعي واللاوعي عنده . وحينما نتحدث عن الرمز في الغناء فإن ذلك يحيلنا إلى تتبع حالة الموروث الغنائي في بيئة السرد ، ولا تكاد تخلو أية بيئة عربية من موروث غنائي وذاكرة استثنائية في الغناء تتمازج مع نمطية النص السردي ، وقد يتعدَّى هذا الرمز حدود البيئة التي يعيشها ، فكوكب الشرق ( أم كلثوم ) على سبيل المثال تحط أغانيها في كثير من الروايات العربية باعتبارها رمزاً عربياً يحقق شمولية الإحساس بالألم هذا من جهة ، ومن جهة أخرى يغذي فكرة النص ويكسبه طابعاً مختلفاً .، وهذا الأمر لا ينطبق على رمز غنائي أحادي ، بل إن بيئات السرد العربية غنية بتلك الموروثات التي من شأنها أن تؤسس لبناء قصصي أو روائي متقن متى ما وُجِدت في أحداثها ، أذكر على سبيل المثال : عبد الحليم حافظ و فيروز ومحمد عبدالوهاب .، وآخرين . وقد يحار كاتب النص في اختيار الرمز الذي ينبغي أن يتمثَّل به في كتابته ،. إضافة إلى الأغنية المناسبة له والتوقيت الأنسب لأن يتغنَّى به البطل أو بقية الشخوص ،. ومن هنا تتحقق حاجة كاتب النص إلى الحرفية في اقتناء كل ذلك فالنص الأدبي يمثِّل قيمة مدلولية يجب أن تدرك أهمية هذا الرمز وتاريخه الغنائي .