لقد تنبه العالم لحقوق الإنسان قبل حوالي ستين عاماً، ولو أنه انتبه إلى قضايا الفساد منذ ذلك الزمن لكانت هناك عدالة أكبر في العالم لأن معدلات الفساد العالمية بدأت تتفاقم خاصة في البلدان ذات الدخل المنخفض والذي قد وصل في بعضها إلى حد الكارثة الإنسانية. ولاشك أن جهود مكافحة الفساد المبذولة لابأس بها ولكن لا بد من التفكير بأدوات أخرى ووسائل مختلفة للوقاية، إضافة إلى وسائل توعوية وتثقيفية من خلال إعداد برامج للنزاهة تتيح حلولاً جديدة ومبتكرة للتعامل مع المشكلات المستعصية للفساد . فتقديم منهج تعليم للنزاهة سيكون ذا أثر كبير لتمكين الجامعات ومدارس التعليم العام من خلال استراتيجية خاصة تُعنى بتعليم الطلاب لمبادئ النزاهة على نطاق واسع . ففي سنغافورة مثلاً تم تعليم أفضل وأذكى أفراد المجتمع بالمعلومات والمهارات للعمل بالنزاهة وتحطيم أسطورة أن الفساد أمر محتوم ولا يمكن القيام بأي شيء في مواجهته، وإعداد قادة متميزين للمؤسسات الحكومية لتحسين مستوى (الحوكمة) الإدارية . ولو أمعنا النظر في الثورات التي حدثت في بعض الدول العربية لوجدنا أن التسلط والفساد هما القاسم المشترك لتلك الثورات، لأنهما وجهان لعملة واحدة. وكما أن للأجهزة الرقابية والضبطية والوقائية دورا مهما في مكافحة الفساد فإن للمؤسسات التعليمية دورا أهم في تأصيل قيم النزاهة والشفافية ومحاربة الفساد من خلال نشر مبادئهما في التعليم . فالمنظومة التعليمية يجب أن تكون معززة للقيم الإيجابية ومتطلبات (الحوكمة )الرشيدة والنزاهة لأن المؤسسات التعليمية معنية ببناء القوى الخيرة في المجتمع. فدور التربية والتعليم يعد ركيزة أساسية ومهمة من ركائز صياغة وجدان الأمم والشعوب وغرس المعاني النبيلة والقيم الفاضلة في نفوس الأبناء، وإعدادهم ليكونوا مواطنين صالحين يقومون بمسؤولياتهم المهنية والأخلاقية على خير وجه في تحقيق ما يطمح إليه الوطن من تقدم ورقي. فتمثل القيم الإيجابية التي حث عليها الدين الإسلامي وفي مقدمتها الأمانة والصدق والوفاء بالعهد، والحفاظ على المال العام والمواطنة الصالحة وغيرها من القيم الإيجابية الأخرى، وتعزيز مبدأ الشفافية ضمان لهذه القيم بالاستمرارية .