يواجه أغلب مدربي لعبة كرة القدم في دول الخليج العربي مشكلة انخفاض فرصة قيادتهم فرق الأندية المحلية في الدوري الممتاز أو الدرجة الأولى، وخاصة في السعودية والامارات أسوة بالدول العربية في شمال أفريقيا مصر وتونس والجزائر والمغرب، رغم توفر الامكانيات والطاقات الوطنية المؤهلة التي لا تختلف عنهم بشكل كبير، وتساهم في اهدار طاقاتهم وتضعف من فرص تسويقهم للتدريب خارج الاطار المحلي. وبالرغم من عدم الفارق الكبير بين الدول العربية والخليجية من حيث التطور الكروي أو المشاركات الدولية في كؤوس العالم الا أن مدربي عرب أفريقيا حققوا نجاحات كبيرة وعززوا من ثقة مسئولي الأندية في بلدانهم، فيما لاتزال الثقة محدودة في المدربين الوطنيين في دول الخليج العربي، وخاصة في الدوريين السعودي والاماراتي اللذان يعدان من الأقوى على المستويين العربي والأسيوي والأقوى خليجياً، فماهي الأسباب التي عززت من أزمة الثقة في المدربين الوطنيين في الخليج وخاصة في السعودية والامارات؟ ومالذي يميز مدربي الدول العربية في شمال أفريقيا في قيادة فرقهم المحلية والاحتراف في دول الخليج؟ وبالرغم أيضاً من نجاح عديد من المدربين الوطنيين في السعودية وفي فترات مختلفة في مقدمتهم خليل الزياني الذي فاز بعدة ألقاب ابان تدريبه للمنتخب السعودي وناديي الاتفاق والقادسية في الثمانينات، مروراً بالمدرب يوسف خميس الذي حقق بطولة الدوري عام 1415، والمدربين محمد الخراشي وناصر الجوهر اللذين قادا منتخب المملكة في نهائيات كأس العالم، وعبداللطيف الحسيني الذي حقق مع الهلال بطولة الدوري، وفيصل البدين الذي سبق له قيادة المنتخب السعودي، كما عمل مساعداً للمدرب في التأهل لمونديال روسيا 2018، والمدرب سامي الجابر الذي يعد أول مدرب سعودي يحترف في أوروبا وقاد ناديا الهلال والشباب اضافة الى تدريبه في الدوري الاماراتي والقطري، والمدرب خالد القروني الذي حقق مع أندية الاتحاد والرياض والمنتخب السعودي للشباب انجازات متعددة. وعلى مستوى كرة القدم في الامارات يبرز المدرب الوطني مهدي علي الذي يعد ابرز مدرب اماراتي وحقق مع منتخبات بلاده بطولة الخليج لجميع الفئات، اضافة الى المدرب عبدالله مسفر الذي حقق نجاحات مع نادي الظفرة، ومدرب نادي الامارات السابق عيد باروت، والمدرب عبدالله صقر الا أن كل هذه النجاحات لم تعطِ الثقة لمزيد من المدربين لقيادة فرق الدوري الممتاز أو الاحتراف في الخارج، وتشير الاحصائيات لهذا الموسم فقط، والمتشابهة الى حد كبير في السنوات العشر الماضية الى وجود مدرب سعودي واحد فقط من أصل 14 مدرب في دوري المحترفين السعودي بنسبة 7%، وهو نفس العدد الذي يقوده المدربين الوطنيين في دوري الدرجة الأولى الذي يستحوذ المدربين التونسيين عليه بوجود 10 مدربين من أصل 16 بنسبة 62%، وترتفع هذه النسبة بشكل بسيط في دوري الامارات الممتاز الذي يقوده مدربين وطنيين فقط من أصل 12 بنسبة 16%، وهي نفس النسبة تقريباً في دوري الدرجة الأولى. في المقابل يقود 81% من المدربين الوطنيين في المغرب فرق دوري المحترفين في بلدانهم من أصل 16 فريق، فيما يقود 85% من المدربين التونسيين فرق بلدانهم من أصل 14 فريق، و 81% في الجزائر من اصل 16 فريق، فيما تقل النسبة بشكل بسيط في مصر بنسبة 72% من المدربين الوطنيين من أصل 18 فريق يمثلون فرق الدوري الممتاز. كبير المدربين السعوديين خليل الزياني الذي كان نائباً لرئيس نادي الاتفاق قبل أكثر من أربع سنوات يؤكد وجود هذه الأزمة بين الأندية والمدربين الوطنيين، يقول "الفرصة ليست متاحة للوطننيين لقيادة الفرق السعودية كما يحدث للمدربين العرب، وان أتيحت تتاح بشكل بسيط جداً، لأنهم لا يحظون بشعبية واهتمام وبالتالي يكون من الصعب عليهم اثبات أنفسهم وتسويقها للتدريب خارج الوطن، وهذه المسئولية تقع على عاتق المسؤولين في الأندية في منح الثقة لهم والصبر عليهم لفترات طويلة ولولا هذه الفرصة والتعاون الذي حصلت عليه أنا لما تمكنت من اثبات نفسي في تلك الحقبة"، واضاف "لاشك أن القرار الذي أصدره رئيس الهيئة العامة للرياضة المستشار تركي ال شيخ بابتعاث عدد من المدربين للخارج وتطويرهم سوف يعزز من هذه الثقة في المستقبل، ونخطو بخطوات أفضل من الدول العربية المتفوقة علينا في هذا المجال". ويؤكد المدرب الوطني السعودي فيصل البدين "أن هذه الأزمة موجودة فعلياً بسبب خضوع الادارات لضغوطات الجماهير وبعض الإعلاميين الغير منصفين الذين يلعبون دوراً كبيراً في تعزيز الثقة في المدربين الوطنيين أو انعدامها"، يقول :"أقترح ومن وجهة نظري أن الحل يجب أن يبدأ من الاتحاد السعودي للعبة بفرض بعض الاجراءات الالزامية لتعيين المدربين الوطنيين كخطوة أولى وخاصة في دوريي الدرجة الثانية والأولى، ومع التدريب والتهيئة وتوفير الاحتياجات لهم سيحققون النجاح، وتعود الثقة لهم تدريجياً". الأمر المهم هو أن يواصل المدرب ااوطني قناعته بامكانياته وقدراته ودرجة تأهيله ويواصل ثقته بنفسه بحسب المدرب الاماراتي عبدالله صقر، الذي أشار الى أن المدربين المحليين يعانون من نقص الخبرة الميدانية بسبب عدم حصولهم على الفرصة من الأندية، وقال :"نحن نعاني من الأمور المزاجية والعاطفية في الأندية التي تبعد المدربين عن واجهة تدريب الأندية، فلدينا مدربين وطنيين مؤهلين لن تظهر امكانياتهم الا بالممارسة وتوفر البيئة المساعدة التي تتوفر لغيرهم، وأن لايكونوا مدربين طواريء فقط"، وأضاف "أعتقد أن اتحادات الكرة قد يكون أحد الحلول التي ستعيد الثقة والنجاح للمدرب الوطني فهي التي تستطيع وضع قوالب معينة وقوانين واليات مشجعة مثل تحديد سقف للمدربين الوطنيين وتشجيعهم في الفئات السنية". في المقابل يرى رئيس نادي الرائد السعودي فهد المطوع "أن المسئولية لاتقع على عاتق المسئولين في الأندية، بل هي مسئولية المدربين أنفسهم، لأنهم غير مؤهلين في الوقت الحالي لقيادة فرق الدوري الممتاز"، وأضاف "المدربين الوطنيين لديهم من الذكاء والكفاءة والشهادات مايساعدهم على النمو والتطو، ونجحوا في قيادة المنتخبات السعودية والأمثلة لدينا كثيرة، ولكنهم بحاجة الى التواضع والتنازل والتدرج في الفئات السنية واكتساب المزيد من الخبرة، بعدها بسنوات سيتمكنوا من الوصول لتدريب فرق الدوري الممتاز والمحترفين أسوة بالمدربين الأجانب سواءً كانوا برازيليين أو من فرق المغرب العربي". ويتفق رئيس كرة القدم بنادي النصر الاماراتي حميد الطاير مع المطوع في عدم توفر المدربين الوطنيين المؤهلين لقيادة فرق الدوري الممتاز حالياً، وقال :"نحن كنا ندعم المدربين الوطنيين في فترات معينة وخاصة في الثمانينات، أو حتى قبل سبع سنوات قاد فريقنا النصر مدرب وطني في الدوري الممتاز، ولكن في الوقت الحالي يحتاج المدرب الوطني لتطوير عمله بشكل أكبر والتدرج في الوصول الى مكانة كبيرة حتى لايختفي بشكل أكبر مماهو عليه الأن"، وأضاف "هناك خطوات عملية لتطوير المدرب المحلي أصدرها مجلس دبي الرياضي لجميع فرق الدرجة الأولى بضرورة الاستعانة بالمدرب الوطني ليعمل كمساعد للمدرب للاحتكاك واكتساب الخبرة، وهذه ستؤتي ثمارها وتنعكس على المدرب الوطني في المستقبل". وبالمقارنة بالدوريات العربية في شمال أفريقيا نلاحظ العكس فالفرصة متاحة لمدربيهم لقيادة فرقهم في مختلف الدرجات، فما الذي يميزهم عن الخليجيين؟ يجيب المدرب التونسي فتحي الجبال أن مواطنيه يتميزون بالشمولية، فهم أكاديميون في المقام الأول اضافة الى أنهم لاعبين سابقين، ويضيف "تركيبة المدربين التونسيين بالذات تتسم بالانضباطية والجدية، ونجاحاتهم ترجع للثقافة التي يمتازون بها والتدريب الجيد الذي يتلقونه، فنحن ندرس في مدارس رياضية كروية خاصة، كما أننا نحظى بدعم كبير من الاتحاد الأفريقي للعبة، ونجاحاتنا المتتالية تساهم في رفع قيمة المدرب التونسي وازدياد الطلب عليه كما هو حاصل الأن في الخليج وفي السعودية بشكل خاص، وهذا لايقلل من قيمة المدربين السعوديين بل العكس، لأنني عايشت الكثير منهم وأرى فيهم الكفاءة اللازمة لقيادة الفرق السعودية وخارجها، وأنا على يقين أنهم سيحققون النجاح اذا أتيحت لهم الفرصة". فيما يرى المدرب الجزائري بولعراوي داوود الذي سبق له التدريب في الجزائر وسلطنة عمان والسعودية "أن نجاحهم في تدريب أندية بلادهم يعود الى سمات تتناسب مع دورياتهم، منها قوة شخصية المدرب الجزائري الناتج من تاريخ الثقافة الكروية لديهم، والاحتكاك بأبرز المدربين الأوروبيين وخاصة المدارس المشهود لها بالكفاءة، وهذا ما أكسبه ثقافة واطلاع واجادة عدة لغات، اضافة الى تخرج عديد منهم من المعاهد الرياضية الدولية التي تأسست عام 1975، وساهمت في تطوير المدربين ونظراً لتوفر هذه الكفاءات والمهارات بشكل كبير فان الفرص تكون متوفرة لديهم لتدريب الفرق المحلية"، وأضاف "لاشك أن الحوافز المادية التي تقدمها الأندية الخليجية منذ سنوات طويلة لمدربي المغرب العربي وفي كافة الفئات وحب هؤلاء المدربين لخوض تجارب جديدة تزيد من نجاحهم وبالتالي انتشارهم وشهرتهم". ولاشك أن الجانب المادي يلعب دوراً كبيراً في تحديد هوية المدربين الذين يقودودن الدوري المصري كأحد أهم الأسباب التي تدفع المسئولين للاستعانة بالمدربين المحليين بحسب المدرب المصري واللاعب الدولي السابق هاني العقبي، الذي أضاف "الأندية المصرية تستعين بالمحليين أو الأجانب وفقاً لميزانيتها، فالمدرب الأجنبي الكبير يكون سعره مرتفع وقد يصل راتبه الى 100 الف دولار شهرياً اضافة الى السكن والحوافز، وهذه مبالغ يصعب توفرها في ظل المعاناة المادية، ولذلك يكون المدرب المحلي أفضل"، وقال :"اذا نظرنا الى الجانب الفني فالجميع يدرك قدرة المدرب المصري في التعامل مع اللاعبين المصريين من الناحية الفنية والنفسية، وهذا عامل مهم في التعامل مع اللاعبين من قبل المدرب، كما أن المدرب المحلي يعرف ويحفظ أغلب اللاعبين ولايجد اي صعوبة في التعامل مع الأندية بلاعبيها وادارتها وجماهيرها"، مشيراً الى أن فشل بعض المدربين العرب يكمن في أن الأندية العربية والخليج تحديداً تريد ساحر وليس مدرب يغير من شكل الفريق في يوم وليلة، وهذا أمر صعب في كرة القدم، بعكس مايحدث في أوروبا، ولنا في مدرب مانشستر سيتي جوارديولا الذي أحدث فرق كبير في فريقه بين الموسم الماضي والحالي نموذج". ويعد مبدأ الثقة في المدرب المحلي المغربي والانجازات التي حققها على الصعيد المحلي والاقليمي أحد أبرز الأسباب التي تدفع المسئولين في الأندية المغربية لتوظيفهم على رأس الأجهزة الفنية بحسب المدرب المغربي جمال السلامي، يقول :"هناك مجموعة كبيرة حققت انجازات محلية وخارجية سواءً مع فرق مغربية أو في دوريات أخرى مثل بادو الزاكي، وسيد محمد فاخر ، والحسين عموتة، ورشيد طاووسي ووليد الركراكي وغيرهم مما أعطت الثقة في الاطار المحلي، وهذا مادفع الاعلام المحلي للمطالبة باعطاء الثقة والوقت لهم لتحقيق الاهداف"، وأضاف "الأسباب الأخرى هي عملية تكوين المدربين التي يتولى مسئوليتها قسم الادارة الوطنية ويشرف عليها الفرنسي الخبير ميرلو، وهي تحوي عدد كبير من اللاعبين السابقين الذين خاضوا فترة تكوينهم وتجهيزهم منذ أكثر من 8 سنوات وحصلوا على دبلومات ومؤهلات أعطتهم الفرصة لقيادة الأندية المحلية، دون أن نغفل أن تكاليف المدربين الأجانب وضعف التواصل واللغة مع تساوي مؤهلاتهم وتكوينهم مع المدرب المحلي كان الدافع للاستغناء عنهم والاعتماد على الوطنيين مع استثناء بعض الأندية القليلة جداً"، مؤكداً "أن الاتحادات الخليجية بحاجة الى دراسة هذه النماذج في دول المغرب العربي والاستفادة منها اذا ارادت تطوير مدربيها لقيادة الفرق الكبيرة".