أخطر ما يواجه معرض الكتاب الدولي بالرياض هو ارتهانه للدفاع والتبرير بدلا من الإبداع والتطوير. فكل عمل مستمر عليه أن يبحث عن نواقصه وأخطائه ويعمل على تلافيها وعدم تكرارها في المستقبل، فعلى المعرض التركيز على توسيع المجالات التي ترتبط بصناعة الكتاب والنشر. الهجمة الشرسة من أعداء الثقافة وممارساتهم السنوية، المتمثلة تارة بالهجوم الاحتسابي على الزائرين وبعض عناوين الكتب، وبين المطالبة بمقاطعة المعرض تارة أخرى، هجمة -وإن لم تنجح- يخشى أن تحقق أهدافا غير مباشرة، من أهمها تعطيل أي تطوير وارتقاء بطموحات المعرض. معارض الكتاب في شتى أنحاء العالم، ليست مقتصرة على توفير الكتاب الورقي، وعقد عدد محدود من الندوات كما هو معرض الرياض حاليا، بل نجد الاهتمام بمختلف اقتصاديات صناعة النشر وصناعة الكتاب وتوفير الفرص لعقد الصفقات، وإضافة إلى النمو المستمر في أعداد الكتب والناشرين، نجد الاهتمام بالنشر الرقمي. أما الفعاليات المصاحبة لتلك المعارض فنجدها تخاطب عدداً من التوجهات الثقافية وليست مقصورة على الفعاليات المنبرية (مقارنة بالبرنامج المرتبك لمعرض الرياض هذا العام)، فنرى الموسيقى والمسرح والسينما ومختلف أنواع الفنون والثقافات، خاصة فنون وثقافة الدولة ضيفة الشرف لتلك المعارض. العابر في معرض الكتاب بالرياض لهذا العام بالكاد سيلحظ أن السويد هي الدولة ضيفة الشرف لهذا العام، فلم نجد لها حضورا يوازي موقع ضيف الشرف، وما عدا جناح فقير ثقافيا لم نر أي فعاليات مضافة. المعرض السنوي للكتاب في حاجة ماسة إلى التركيز والبحث عن تجارب المعارض الدولية في مختلف أنحاء العالم خاصة المعارض الأشهر في العام، مثل معرض فرانكفورت ولندن، فالاحتماء بآراء الناشرين الذين يلهثون خلف أكبر دخل من المبيعات، أو مقارنة الاحصائيات، بمعارض دول مجاورة، ليس في مصلحة معرض الرياض، بل على العكس فهو سيرهنه إلى ما دون الطموحات الممكنة. من أهم ما يلحظه الزائر لمعرض الرياض هو تلك الأسعار المبالغ فيها للكتب، التي تزيد عن أسعارها حين نجدها خارج المعرض، سواء في بلد الناشر أو في معارض دول مجاورة. أما إشكالية نقص المساحة التي واجهت معرض هذا العام وأدت به للاعتذار من عدد كثير من الناشرين، فهي تكمن في اتجاهين، الأول: منح مساحات كبيرة للجهات الحكومية، وهو أمر يفضل تحديده والتقليل من البذخ الذي استعرضته تلك الجهات الحكومية في أجنحتها السبعة نجوم، بلا طائل. والاتجاه الثاني في حل إشكالية نقص المساحة، فهو في تحديد عام النشر للكتب المشاركة في كل دورة، بحيث لا تشارك العناوين المطبوعة قبل سنوات عديدة، التي تكون عادة رجيع مستودعات يراد التخلص منها، فتحتل هذه الكتب القديمة، مكان كتب أحدث، يفترض لها أن تكون في متناول اختيار القارئ. معرض الكتاب بالرياض لن يحقق طموحات المثقفين والزوار، مستقبلا، إن استسلم لكل هجمة ظلامية تنفي الفكر والعقل، فهو سيقع في ورطة كبرى في حال تورط واستهلك طاقته في مماحكات التيارات الممانعة أو حتى تخدير التيارات المدافعة. معرض الكتاب لم يتحول بعد إلى أيقونة ثقافية، ولم تتضح شخصيته الاعتبارية، وأتمنى أن أراه كياناً راسخاً واضح المعالم والأهداف في السنوات القليلة المقبلة.