كشفت ل"الشرق" مصادر متطابقة من داخل بيت الحكم وأخرى من أروقة الديوان الأميري في العاصمة القطريةالدوحة أن الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر أجبر على قول ما لا يريد في الخطاب الذي تم تسجيله في فترة سابقة وبثته وسائل الإعلام القطرية البارحة. وأفصحت المصادر عن أن الأمير القطري تعرض لضغوط قوية أجبرته على عدم الوفاء بالتعهدات التي تعهد بها أمام الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وأن هذه الضغوط تقف خلفها شخصية قطرية تتحكم بمفاصل الدولة ولا يستطيع تميم أمامها إلا الإذعان والسمع والطاعة. وقالت مصادر من داخل الديوان الأميري أن الخطاب الذي ألقاه أمير قطر البارحة جرى التعديل عليه عدة مرات، ولم يتم السماح ببثه إلا بعد إجازته من الشخصية القطرية الأكثر نفوذا من شخصية رئيس الدولة في قطر. وأضافت المصادر أن الخطاب الذي ألقاه الشيخ تميم صاغه الإسرائيلي عزمي بشاره، وأجرى عليه التعديلات الشيخ حمد بن جاسم، فيما "أقره بصيغته النهائية الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفه آل ثاني، أما أمير قطر الحالي الشيخ تميم فلم يكن له من دور سوى قراءة الخطاب من الشاشة المنصوبة أمامه تحت كاميرا التصوير". وبحسب المصادر فإن الرجل المعروف باسم "الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، هو الشخصية المتحكمة بقرار أمير الدولة في قطر، وهو من أجبره على النكوص والتراجع عن جميع التعهدات التي تعهد بها أمام الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز عام 2014، وتلك التي وقع عليها عام 2013. وركزت المصادر التي تحدثت من داخل قطر عبر برامج خاصة بالتواصل الإلكتروني البارحة على أن الأمير الحالي لقطر حاول جاهدا إقناع والده بإرسال رسائل إيجابية للمحيطه الخليجي، لكن جميع محاولاته قوبلت ب "الرفض القاطع من قبل الأمير الوالد المتحكم بجميع مفاصل الدولة". في هذه الأثناء، نقلت صحيفة "العرب" اللندنية عن مصادر سياسية خليجية قولهم إن أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني يمنع على نجله الأمير تميم إرسال أي إشارات إيجابية إلى محيطه الخليجي. وذكرت المصادر أن أمير قطر الحالي سبق وأن أظهر موقفا مختلفا عن والده منذ توقيع الاتفاق مع السعودية برعاية الكويت لإنهاء خلاف طويل بشأن دعم التنظيمات الإرهابية والإخوان المسلمين، إلا أنه سرعان ما اضطر إلى الإخلال بالتزامه أمام الملك عبدالله بن عبدالعزيز. ويظهر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بعض الإشارات الإيجابية خلال الأزمة المتفاقمة مع الدول الأربع؛ السعودية ومصر والإمارات والبحرين، إلا أن المراقبين يتساءلون عما إذا كان الأمير الوالد يسمح له بالاستمرار في ذلك. ولا يفهم الكثير من القطريين سر العداوة التي تحملها الأسرة الحاكمة في الدوحة ضد السعودية والمحيط الخليجي عموما، خاصة أن العلاقات الثنائية بين البلدين كانت قوية ومتينة، فضلا عن تشارك المواطنين القطريين والسعوديين في الأصل والمذهب والطباع. وما لا يعرفه القطريون أن الأزمة في حقيقتها تحمل أبعادا شخصية ل "الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي وصفته صحيفة الغارديان البريطانية بأنه قوة تخريبية في المنطقة، والذي يكن عداء دفينا للسعودية يعود إلى ما قبل انقلابه على والده في ال27 من يونيو 1995". ورغم تنازله عن العرش لولده الشيخ تميم في يونيو 2013، فإن الشيخ حمد لا يزال هو والحرس القديم التابع له، يسيطرون على مؤسسة القرار في الدوحة، وخاصة ما تعلق بالخلافات مع دول الخليج. وتقول مصادر مطّلعة في الدوحة إن الأمير الوالد أعلم الشيخ تميم لحظة التنازل عن الكرسي منذ أربع سنوات أن هناك ملفات لا شأن له بها، وأنها ستظل بيد الوالد من وراء الستار، وأهمها ثلاثة ملفات لا يمكن الاقتراب منها وهي: العلاقة مع السعودية والإمارات، والإخوان المسلمون، وملف قناة الجزيرة. وتعزو هذه المصادر سعي الشيخ حمد لمناكفة السعودية باستمرار ومنع تنفيذ أي اتفاق معها، إلى عداء شخصي تدعم بمرور الوقت. فقد افتعل أول شجار له مع السعوديين في أرض المعركة عندما كان يقود فرقة من الجنود القطريين في حرب الخليج لإخراج القوات العراقية من الكويت قبل حوالي ثلاثين عاما. وكان جنود فرقة حمد من بين جنود التحالف الأوائل الذين اشتبكوا مع القوات العراقية في معركة الخفجي في فبراير 1991. وعندما دخلت القوات السعودية المعركة، انتهى الأمر بجنود المارينز الأميركيين إلى حماية الجنود السعوديين لأن حلفاءهم من قطر كانوا يمطرونهم "بنيران صديقة" عن غير قصد. وبعد الحرب تمت لملمة المشكل بعجلة، لكن المخاوف بقيت خاصة مع عودة الشيخ حمد قائدا أعلى للجيش. واستمر في إثارة غضب الرياض مخبرا السعوديين بخصوص نزاع حدودي في سنة 1992 بأنهم سيردون على "فوهة البندقية". وتحققت هذه المخاوف لما خلع الشيخ الشاب أباه الشيخ خليفة الذي كان قد غادر بلاده متجها إلى جنيف للخضوع لعلاج طبي. وقام بإرسال دبابات لتطويق القصر الأميري الذي استسلم دون مقاومة. وظل الشيخ حمد محترزا من دور السعودية متخوفا من أن تساعد أباه على الإطاحة به واستعادة كرسي الحكم منه. وقال رانديب راميش، الكاتب والمحلل السياسي في صحيفة الغارديان البريطانية، إنه ومنذ ذلك الحين الشيخ حمد يمثل قوة مزعزعة للاستقرار في المنطقة، مشيرا إلى أنه أسس قناة الجزيرة التي قامت في السنوات الأخيرة بالتوازي مع الإعلام الاجتماعي بإثارة الرأي العام بطرق لم تعجب الحكومات العربية، وخاصة السعوديين. ويرى الكثيرون أن جذور الصراع الحالي قد تعود إلى هذه العداوات القديمة، وأن الشيخ حمد كان ينظر إلى الأشياء كلها من بوابة نظرية المؤامرة، ولذلك بدأ بتخريب النسيج الاجتماعي ومنع أي تقارب عائلي مع السعوديين. واستعان في قصره بمن يتوافق مع توجهه المعادي للسعودية، وخاصة الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني الذي راهن على جماعات الإسلام السياسي كونها ستؤمن استقرارا طويل المدى للإمارة الصغيرة، ويعد هذا انحرافا عن خيارات بقية دول الخليج، وهو ما وضع السياسة الخارجية القطرية موضع شكوك دائمة. ويقول فواز العطية، وهو دبلوماسي قطري سابق، بأنه هو "وآخرون من الذين أجبروا على التراجع أو التحييد كان من الواضح جدا أن الأهداف المرتجلة للسياسة والاستراتيجيات الرعناء سيكون مصيرها الفشل لا محالة".