خلق الله الإنسان وفي داخله مجموعة من الأجهزة التي يتحرك بها، ويعتمد عليها في استقرار حياته، وهدوئها، ولم يخلق شيئاً عبثاً، سواءً كان كبيراً أو صغيراً ظاهراً أوباطناً، بل أحاطت عظمته أعماق الأعماق فيما لا يخطر على قلب بشر. والمؤمن ملزم بالتفكر فيما حوله من مخلوقات وفي نفسه، (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) الذاريات 21(إن في خلق السموات والأرض واختلاف اليل والنهارلآيات لأولي الألباب)190آل عمران، فوجب تحريك هذا الفكر الجامد المتبلد، وإشعال نور الله في طياته كلما خبا ‘زاد صاحبه نشاطه بإيقاظه من غفلته وسباته بالتفكر والتمعن بما حوله، ليزداد تعلقاً بمبدع هذا الكون وإحيائه من جديد بوقدة الإيمان وملء ساحاته بمشاعل تذكي نور إيمانه ليزداد تعلقاً بالله وتقرباً منه. فكما للجسد مهام يقوم بها من حركات، وسعي حثيث في الحياة ، وسباق لا ينتهي، وتفاخر بمباهج الحياة، كذلك للفكر حق ونصيب من الاهتمام به، فهو لم يعط من الاهتمام العظيم الذي به وبالمكانة السامية التي حظي بالتكريم من الله جل جلاله،على سائر المخلوقات. نعم لم يعط اهتماماً ذاتياً من صاحبه. إنه فراغ شاسع موحش، وإن ملئ للحظات بما يسمع ويرى فسرعان ما تتبدد، وتتبخر، وتختفي دون تأثير على صاحبه. إن هذا الفكر مع الأسف يستقطب ألوان التفاهات والسخافات، وسرد القصص المؤلمة التي تحط من قدر فئة معينة من المجتمع، وبتقصي سلبياتهم، ويتفنن في تصويرها، بتناقل الحكايات الساقطة التافهة التي تخجل الغيور على الخلق والدين، ومنها انتشار الصور، والمقاطع في الهواتف المحمولة، وتبادل إرسالها، فأصبحت الشاغل للفكر والوقت، حتى أضحت فرصة للتسلية والمتعة، باستخدام هذه التقنية الحديثة الاستخدام السيئ جداً. إن هذا الأخطبوط الذي ملأ فكر المسلم، قد استحوذ عليه، ولقي مرتعاً خصباً فيه، وقد عطل كل أحبال التعلق الموصلة للسعادة واللذة في نفسه لحب الله، بما لا يدع مساحة صغيرة للخير فيهً.(إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)36 الإسراء. لهذا الفكر مسؤوليةعظيمة، يجب أن تلقى التوجيه والاهتمام من الصغر، وإنارة عتمته بنور الله الذي أوجده، بجهاد موصول به، وبنبيه وسننه، ومحاسبة النفس على التقصير، وأداء لأمانة الضمير، وسعي شريف في الحياة، وملء قنواته، بصيب العلم النافع.