هناك معيار صارخ لانحراف خطير في أخلاق الناس يصادفك في كل يوم فتراه رأي العين. عندما تقود سيارتك، فترى من التصرفات العدوانية ما يجعلك تفقد حلمك. هناك عدوان قد يدفع بعضهم إلى محاصرة من لا يريد أن يتجاوز السرعة النظامية واضطراره إلى أضيق الطريق، ولو تسببت هذه المضايقات في وقوع حادث سير خطير فلا بأس، المهم أن يهدأ هذا الغضب وترضى النفس الثائرة المنتقمة لذاتها. هذا المشهد الذي نعيشه في كل يوم عدة مرات، يدل على أن لدينا مشكلة أخلاقية عميقة ومتجذرة. بطبيعة الحال، إن إضفاء شيء من الصرامة على قوانين المرور، سوف يخفف هذه المشاهد الشنيعة، لكن القوانين الصارمة ليست الحل. بل سيكون الأجمل والأكمل أن تختفي هذه الممارسات من دون خوف من العقوبة ولا الغرامات المالية. هل يمكن أن يتحقق لنا هذا؟ هناك خلل أخلاقي. لكن هذا لا يعني أبداً أنني أتهم المجتمع بأنه بلا أخلاق، إذ لا يوجد مجتمع قط بلا أخلاق، بالمعنى الشامل للأخلاق. نحن مجتمع متدين، والأخلاق والدين بينهما رابطة قوية وتعالق وتقاطع «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» هذا النص يعترف بالأخلاق المطلقة – لا النسبية – الموجودة عبر التاريخ عند كل البشر. لكن الدين ليس الحاكم الوحيد الذي يوجه تصرفاتنا، فهناك الكثير مما نفعله ينطلق من بداوتنا، لا من كوننا أناسا متدينين، والمثال الذي ضربته عن النقص الشديد في أخلاق قيادة السيارة، إنما ينبع من هذه النقطة، من أخلاق البداوة وعدم الاعتراف بالقوانين التي تحكم السير في الشوارع في مركبات حديثة. الذي يقود سيارته فيتنقل بكل حرية بين المسارات الثلاثة دون إعطاء إشارة لمن خلفه، ويضايق الناس ويزاحمهم في مساراتهم ويفاجئهم بانقضاضه عليهم، هو حقيقة ينطلق من روح حرية البداوة القديمة ورغبة قائد هذه السيارة أن يقودها كما كانت العرب تقود إبلها في الصحراء. ثم ما هذه الإشارة الحمراء التي ما أنزل الله بها من سلطان؟ لقد جعل الله الأرض لنا ذلولا فلنسر فيها بحرية دون التفات لهذه الإشارات الحمراء والخضراء، فليس هناك ما يُلزم بالوقوف عندها أو السير بأمرها، إلا عندما نرى (ساهر) يتربص بنا لتسجيل المخالفات على حين غرة. هكذا يفكر البعض مع الأسف. للدكتور علي الوردي كتاب اسمه (الأخلاق) لعله أن يكون قد قسا على أخلاقنا بعض الشيء، لكن كثيراً مما قاله صحيح، إن اخترنا أن نكون صادقين مع أنفسنا قبل كل أحد. في ذلك النص كان هناك الكثير عن أخلاق البداوة، والبداوة شديدة الصلة بكل مجتمعاتنا العربية وليست خاصة بمنطقة معينة أو قبائل بعينها، ورغم أن الشرق الأوسط هو موطن الحضارات القديمة كلها والأديان كذلك، إلا أن روح البداوة ما زالت منذ ذلك الحين تقاوم التمدن والحضارة والنظام. نحن بحاجة إلى أخلاق جديدة، أخلاق مدنية تنطلق قيمها من عالمنا الجديد الذي ارتضينا الانتقال إليه والعيش فيه. تماما مثلما شعر الفيلسوف الألماني إيمانويل كنْت بضرورة التأسيس لأخلاق جديدة تكون نظاماً شاملا يرتضيه الجميع ويرضخون له بدون سلطة رقابية.