(أ) هل ستطمئنون لو كانت أمهاتكم لديهن القرار في دخولنا الجنة يوم الحساب؟ الله أرحم منهن بكثير، يقول أبو هريرة في (البخاري): سمعتُ رسولَ الله يقول: جعل الله الرحمةَ مائة جزء، فأمسَك عنده تسعة وتسعين جزءًا، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحَم الخَلق. (ب) لا تنفك مناهجنا التعليمية وكتب الوعظ ومحاضرات رجال الدين من تصوير الله عز وجل بالخالق المخيف ذو الوعيد الشديد والعقاب حتى أصبح المبدأ الذي تقوم عليه العلاقة بين المؤمن والإله علاقة خوف لا محبة، بل وصل الحال في مقرراتنا الدرسية الموجهة لطلاب المرحلة المتوسطة وما بعدها إلى زراعة ممنهجة للخوف النفسي من الله وتصوير عذابه وانتقامه ليتمثل في سيناريوهات عذاب القبر والنار السعير والصراط الذي يقع أسفله أسوأ الصور وأفظعها. في ذلك الخضم، لم تتناول كتبنا ووعاظنا بإسهاب، أن الله كتب على نفسه الرحمة، تلك الصفة التي كانت الأكثر ارتباطاً باسمه الكريم وتداولاً في القرآن؛ حيث ذكرت في 268 موضعاً. رحمة الله وسعت كل شيء، كل ما تتخيله، بل حتى في مجادلته لخلقه وعصيانهم كان يثبت لنا سعة رحمته وأناته، فعلى الرغم من امتلاكه القوة لإسكات (إبليس) عندما جادله في قرار السجود لآدم ليكون عبرة لمخلوقاته، لم يفعل. يا الله.. أناتك أعطته الفرصة للجرأة عندما قَالَ: أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14 – الأعراف)، وأنت الخالق الذي يقول للشيء كن فيكون!، و سمحت للملائكة وهم المخلوقون للطاعة وتنفيذ أوامرك من مناقشتك دون نهر أو عذاب عندما ناقشوك عن السبب الذي جعلت (آدم) خليفة في الأرض. ما أجملك يا الله وأنت توصي الرسول بقولك: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الحجر: 49)، لتطبق لنا رحمتك عملياً في مغفرتك وحبك لنا وتبديل سيئاتنا إلى حسنات: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (الفرقان: 70)، أو كما فعلت مع إبراهيم عندما قال لك: أرني كيف تحيي الموتى، ليَطْمَئِنَّ قَلْبِه، فلم تستنكر لتثبت لنا أن رحمتك والبحث عن اليقين يزيدنا تمسكا بك. (ت) نحن بحاجة إلى تعليم وخطاب دعوي جديد يؤصل داخلنا رحمة ومحبة الله لنا، فالخوف الذي نخشاه ليس خوفاً نقياً؛ لأنه غير صادر من المحبة بل من خشية العقاب. خاتمة المحبة تطرح الخوف خارجاً.