من قبلِ أن تَمُدّ: «روحَكَ» سلاماً لمصافحةِ ليلة القدر فتّشْ بادي الأمرِ عن حقيقة ما يمتلئُ به قلبك.. وتأكد تالياً بأيّ شيءٍ هو قد تغلّف؟! أطافحٌ هو بالكُره حتى فاض ضغينة وعداوةً..؟! أم تُراهُ عامراً بكلَّ الأدواء التي لا تفتأ أن تجعلَ منك حَرْباً على كلّ أحدٍ بغير وجه حق؟!. ثّم لتسأل نفسك ثانيةً: لِم خُصّت هذه الليلة دون سواها بمفردةِ: «السلام» محاطةً بقدسيّة الإذن الرباني ل: «الملائكة والروح» بأن تتنزّل؟! إذن فإنّ اللهَ تعالى ولا ريب قد أراد بنا رَشَدا و(سلاماً) إذ عقدَ بنواصي تلك الليلة المباركة مباهج: «الرحمة».. و: «المحبة» فهما: (السلام) ذلك العنوان الرطيب / البهي الذي تجتمعُ فيه حقيقةُ هذا: «الدّين» الذي ما جاءَ إلا ليبسط روحَهُ في العالمين رحمةً / وسلاما.. وما من شيءٍ يُمكنُ أن يتعارضَ مع المعاني التي يتضمنّها اسمُ: «السلام» إلا وأوشكَ أن يكونَ هذا: «المُعارضُ» ليس من الدين في شيء!. هي: «ليلةٌ» لئن هُديتَ سبيلَ التوفيق إلى بلوغِها قبولاً فإنّكَ ستجدُ بالضرورة برهانَ هذا التوفيق في بقية عامكَ كلّه إذ ستُفيضُ – تلك الليلة- بأنوار: «سلامها» على مجريات أحداث العامِ كلّه لتشهد الأمكنة التي تغشاها سلاماً حتى مطلعَ عامك المقبل وذلك بسببٍ من كونك قد غدوت عنواناً ل: «السّلم» الذي يشِعّ ضياؤه فيمن حولك بسلام غفران: «الحبِّ» وبكلّ ما يمكن أن تستوعبه هذه الكلمة الربانية من معانٍ مقبوضةٍ ومبسوطة. أو ليست: «المحبّةُ» أصلٌ مكينٌ لكلّ عملٍ دينيّ جاءت به الشريعة؟! بلى. ويمكن أن نضيف: إنّه ما من: «محبّةٍ» تنشأ إلا من قلبٍ: «سليم» قد مضى بصاحبه بعيداً وفي منأىً عنّ كلّ مُكدّرات: «الحب» وملوّثاته.. ولئن كان هذا الأخير -أي الحب- هو العمود الفقاري لكلّ ما جاء به: «الإسلام» فإن: «الخوف» و: «الرجاء» يستلزمان: «المحبّة» ذلك أنّ من يرجو إنما هو طامعٌ – على جهة التحقيق- فيما يُحبّه لا فيما يُبغضه.. وكذلك شأن الخائفِ إنما هو الآخر كصاحبه: «الراجي» قد دأب في الإمعان ركضاً عن كلّ ما يحذره ويخافه ابتغاء أن ينال: «المحبوب»! بقيَ أن أقول: يامَن تبتغون -في هذه الليلة- إلى ربّكم الوسيلة أيكم أقرب إذ ترجون رحمته وتخافون عذابه امحضوا: «قلوبكم» تنظيفاً مما كَدَرها من: «الأدران» ذلك أنّ القلوبَ هي: أولى بالوضوء والاغتسال من الأعضاء الظاهرةِ وفي كلٍّ طهارةٌ ونقاء. ومن هنا يتبيّن أنّ: «سلاما هي حتى مطلع الفجر» هي اسمٌ جامعٌ لكل خيرٍ يحظى فيها بالوافر من فيوضاتها وبالجزيل نصيباً من بركاتِها من قد أتاها ب: «قلبٍ سليم» ذلك الذي اتخذ له مِن السكينةِ جلباباً ومن الإخبات دِثاراً ثُمّ ما لبث أنْ سعى حثيثاً بخُطى: «المُحب» وقد تجلّلَ بوقار الافتقار إلى: «الغني الحميد» هرولةً. أمّا أهل القلوب: «المريضة» فإنّهم ولا ريب همُ المحجوبون عنها إذ تمتنعُ في حقّهم حالاتُ التّخلّي والتّحلي والتّجلّي على نحوٍ من حضورٍ مَيْتٍ تُدرَك به الليلة بأجسادٍ تُعجبك رؤيتها بيد أنها تفتقرُ إلى: «الروح»!! حيثُ تقوى القلوب وتفتقر إلى: «سلامٍ» هو مهوى الأفئدة النقيّة: «بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِين». وفي الجملة فإنّ غاية ما فهمته من دلالة: «سلام» في: (ليلة القدر) هو التعلّق ب: «الرحمة» إذ هي أوثق عرى علاقة العبد بربّه وليس بخافٍ أنّ: «رحمة الله» ب: «الإنسان» هي: (الأصل) بينما العقوبة/ بوصفها عذابا كثيرا ما تأتي في مورد الاستثناء ومن هنا فإن الله يكلؤنا بحفظه: «محبة» إذ كثيراً ما يصف نفسه بالرحمن والغفور والرحيم -أتيت بهذه الصفات دون غيرها- لأنها الأكثر وروداً من أسمائه في القرآن فالرحمن57 والغفور 91 مرة والرحيم 123 ولهذا كتب الله في الكتاب الموضوع فوق العرش: «إنّ رحمتي تغلِب غضبي» الأمر الذي كان الخير في أسماء الله وصفاته وأما الشر فليس إلا في الأفعال: «نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ» وآيات كثيرات تأتي في القرآن على هذا النحو.