الإنسان الذي يسكن قرى مركز السهي، أقصى جنوب منطقة جازان، أسقط حقه في مطالبة شركات الاتصالات الثلاث بتوفير خدمة الجيل الرابع، ليس لأن غيرهم قام بالمطالبة فسقط عنه التكليف، بل لأن أمام هذه الشركات جيلين كاملين ثانيا وثالثا حتى تصل إلى الرابع، لذلك فالمطالبة بتحقيق ذلك تعد ضرباً من الخيال!. إنسان «السهي» يستحي أن يطالب بإنشاء رياضٍ للأطفال، ويرى أن (ينثبر بزره) في البيت حتى يبلغ الحول السادس، ثم يدخل معترك الابتدائية، لأن المدارس ضاقت فصولها بالطلاب، لكثرتهم، حتى أنها حولت مطابخها فصولاً كي تجد لهم مقاعد!. إنسان السهي لا يطالب برصف وإنارة الشوارع، أو إنشاء الحدائق، وهو أيضاً ضد (أسبوع الشجرة) المحرض على التشجير، لأن ذلك يحتاج إلى تعهده بالمياه، الأمر الذي سيوفر بيئة حاضنة لتكاثر وتناسل البعوض، الناقل الرسمي والحصري لحمى الضنك المنتشرة بشكل مخيف هناك، وعلى الرغم من ذلك فإنسان السهي لا يخشى الموت «ضنكياً» فكل نفسٍ ذائقة الموت!. إنسان السهي في القرن ال 21 يريد ماءً! جل مطالبه وأحلامه اليوم تتمثل في أن يشرب مياها صحية معقمة، مثل غيره من الآدميين أو حتى من الإبل والخيول! بدلاً من تلك المياه المالحة غير الصالحة للاستخدام الآدمي والتي يجلبها له «الوايت» من آبار سطحية بمئات الريالات شهرياً. إنسان السهي الذي أكل من البحر وشرب منه، استبشر خيراً بعد أن قرأ خبر توقيع معالي وزير المياه والكهرباء عقداً مع إحدى المؤسسات بتوريد مياه سقيا لقرى المركز، ومن فرط فرحته بالماء الجديد، الذي سيفك ارتباطه بإحصائيات الأممالمتحدة للمحرومين من المياه الصالحة للشرب، عزم أن يستعد لهذه النقلة الحضارية بتحضُّر، وبات يخطط بإمكانية الحصول على أدوات ترشيد استهلاك المياه؟ لأن التبذير حرام حتى لو شقَّت له وزارة المياه نهراً جارياً أمام بوابة بيته، ولكن سرعان ما اغتيلت فرحته وتبددت أحلامه، فمقاول السقيا الذي وقعت معه الوزارة بمئات الآلاف من الريالات، جلب له مياهاَ مالحة ومن نفس بئر الملح الأجاج! استشاط غضباً إنسان السهي هذا، وظل يصيح: حرام ،غش، فساد؟! إلى أن قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل. فقرر أن يخرج ولأول مرة من دائرة مفردات العويل والصبر التي ظل يرددها كلما توقفت عجلة التنمية خارج حدود قريته، إما بفعل مقاول أو مسؤول، أو كليهما، ويطالب بحقه، فذهب إلى مديرية المياه بجازان، قدَّم شكواه وقٌيدت برقم 274229 ورقم المعاملة 78076/70012/1432 بتاريخ 7/11/1432ه. أنصتوا له، وعدوه بأن لن يتكرر ذلك، وبالفعل لم يتكرر، لأنّ المقاول بعد أن أمَّن له الماء في اليومين اللذين أعقبا تقديم الشكوى، اختفى، ولم يعد لشهرين كاملين! المهم أخبروا إنسان «السهي» بأنه سيتم طباعة كروت للسقيا وتوزع على القرى المستفيدة، تمثل حصة كل منزل من السقيا، حتى لا يتلاعب المقاول بالحصص المعتمدة. وطلبوا منه المراجعة بعد أسبوعين، أي المهلة التي ستكون فيها كروت السقيا جاهزة، وبعد أن راجعهم طلبوا منه الرجوع بعد أربعة أيام. عاد إليهم مرة ثالثة، فوعدوه بعد إجازة الحج (آخر كلام). مرَّت الشهور ولا جديد حول كروت السقيا! ولم يتغير الأمر بالنسبة للمقاول، سوى أنه يزور قرى مركز السهي مرة واحدة في الشهر بحمولة لا تكفي أسرة واحدة مكونة من ثمانية أفراد أكثر من ثلاثة أيام فقط، أمّا بقية ال 27 يوماً، ف «الوايت» في الخدمة بمياهه المالحة، لكنه يرضى بالآجل والعاجل. بعد مرور أكثر من خمسة أشهر ومعاملة إنسان السهي لم تُنجز في مديرية مياه جازان، إلَّا قيد الوارد مع التاريخ، لكن يتفاجأ إنسان السهي وهو يقرأ في صحيفة الشرق العدد رقم 93 الصادر يوم الثلاثاء 6/3/2012 م خبراً يفيد بأن مدير عام المياه بمنطقة جازان يكرم 23 موظفاً نظير جهودهم (في سرعة إنجاز مهامهم الموكلة لهم)!