تأتي زيارة عادل الجبير المفاجئة للعراق في سياقٍ إقليمي لافت، إذ سبق هذه الزيارة زيارة روحاني للكويت وعمان ولكن المهم هو تلك الزيارة الأولى من نوعها لوزير خارجية سعودي للعراق منذ مايربو على عقدين من الزمن تقريباً، شهد العراق فيها تحولين من حالة لحالة، حيث ابتعد العراق بعد 2003 عن محيطه العربي وخلال هذه السنوات تشعبت فيه الطائفية التي نتجت عن الاحتلال الفارسي مغيرين خارطته وفق مبادئ آيديولوجية، اكتسى فيها العراق اللون الأحمر لكثرة الدماء المهدرة. وقد واجهت المملكة هذا الحراك الدموي الذي قادته إيران وفق مبادئها العقائدية حيث حاولت فرض واقع مشوّه تنفر منه المجتمعات الإسلامية والعربية. هذه المرحلة الشرق أوسطية الخطيرة أدت إلى خروج المملكة عن مسارها السلمي مجبرةً غير مخيرة، فوجهت قوتها بشقيها السياسي والعسكري لحفظ ما يمكن حفظه بعد أن فُقد كثير. وتأتي زيارة عادل الجبير المفاجئة للعراق وفق هذا السياق، إذ إن هذه الزيارة لايمكن أن تُنتقد من قبل إيران وميليشياتها، لأنه يخالف الخطاب السياسي الجديد لإيران التي تواجه سياسة أمريكية جديدة، تسعى لتقويض نفوذها في المنطقة ولا يمكن لإيران إلا الانحناء للعاصفة، فتحركت لحل مشكلة الحج، وبدأت بترميم علاقاتها مع الخليج من خلال زيارة روحاني، ولكن الخارجية السعودية لم تغفل أن تضع إيران أمام الاختبار الحقيقي والمحك الأكبر وهو العراق، حيث تحرك الجبير مستغلًا هذا الخطاب الجديد لاختراق السياسة الإيرانية في بغداد. هذا لا يعني أن المملكة أهملت العراق فيما مضى، بل حاولت جاهدة – وفق المبادئ والمعايير الدولية – أن يستقل العراق عن التوغل الإيراني، ولكن واجهت معضلتين، أولاهما التحالف الإيراني الروسي العسكري، وثانيهما تخلي أمريكا عن دورها الدولي في حفظ السلم العالمي. أما الآن وقد أصبحت الفرصة مواتية، انطلق الجبير لبناء عراق جديد وإعادة المياه لمجاريها.