أيها الأحياء أكتب لكم رسالتي لأخبركم إحساس الموتى، أشعر أن نبضي زهد الحياة وروحي فارغة وأحشائي في غيبوبة عن الواقع، لم أعد أشعر بأطرافي ولا بالحواس، عظامي تتفتت ومفاصلي جفت وقراراتي بالحياة توفيت، فليس لي وجود حتى أنفاسي تقطعت وشهيتي ماعت، أشعر ببلادتي، كرهت يأسي وإحباطي، فشلي ومعاناتي، فالعتمة فاضت من داخلي وأغرقتني بها، لم أعد أثق في أحد ولا حتى نفسي، ماتت أحلامي وطموحاتي، لا أحب أحدا ولا أرغبه، فأنا عبء ثقيل والتراب على جسدي ملوث للوجود ورائحته تؤذيكم، فأنا جثة بالية فأرجوكم.. أكرموني بالدفن. (هذه رسالة نصية تركها شاب مصاب بالاكتئاب قبل محاولة انتحاره بدقائق…). أصبح الاكتئاب في الآونة الأخيرة من أكثر الأمراض انتشارا على مستوى العالم، تعمدت إدراج هذه الرسالة في مقالي لأبين الفرق بين تقلبات المزاج العادية وأعراض الاكتئاب، حيث يتضح من رسالة صديقنا المكتئب حجم المعاناة والأعراض التي يمر بها كمريض فعلاً ومدى نظرته المأساوية للحياة وعدم استمتاعه بأي شيء بها حتى لو كان ممتعاً في السابق، ونظرته السوداوية لكل شيء حوله حتى نظرته لنفسه مهما كان لديه من إنجازات ومهما كان لديه من محبين فهو يفقد الشعور بوجوديته وينتابه شعور مبالغ فيه بالذنب وصعوبة في التركيز واتخاذ القرارات ومشاعر استياء ونوبات بكاء وعصبية شديدة وأفكار عن الموت، وأحيانا يظهر المرض في صورة أعراض جسدية مصاحبة للأعراض الحسية فتصحبه آلام بالرأس والظهر واضطرابات في الجهاز الهضمي وغثيان وتغيير بالشهية والوزن وإرهاق وانخفاض شديد في الطاقة واضطرابات في النوم وفقدان الرغبة الجسدية وتتفاقم الأعراض حسب درجة الاكتئاب لدى المريض وفي الحالات الشديدة يفكر المكتئب في الانتحار في أي لحظة أو يحاول ذلك كما فعل صاحب الرسالة، حيث إنه من المتوقع أن يفعل ذلك دون مقدمات كي يتخلص من آلامه وتنتهي حياته فعلياً. لذلك عليك أن تلاحظ نفسك حتى لا تعيش تحت وطأة هذا المرض على الرغم من وجود العلاجات الدوائية والنفسية فأنقذ نفسك فوراً إذا وجدت 5 أعراض أو أكثر مستمرة معك لأكثر من أسبوعين دون سبب فاتجه لأقرب عيادة نفسية واطلب العون حتى لا يضيع عمرك وينقضي في هذه المنغصات. وهنا أؤوكد أن الاكتئاب مثله مثل أي مرض عضوي ولقد أصيب به كثير من الأشخاص الأقوياء والناجحين، فهو ليس مرض الضعفاء فحسب ولكنه وهذا أمر حتمي يحتاج إلى مساعدة علاجية ومساندة نفسية، لأنك كشخص تعرضت لأعراض الاكتئاب لا تستطيع أن تخرج نفسك منه إلا بالمساعدة العلاجية وهذا ليس عيباً ولكن من العيب هو أن تهمل نفسك التي وهبك الله إياها ولا تحافظ عليها لأن الله كما خلق الداء خلق الدواء، فلنأخذ بالأسباب وهي متاحة ومتوفرة ونتوكل على الله فهو خير حافظا حتى نخرج من سواد المرض والألم إلى مساحة الشفاء والحياة المستقرة.