أوصى ملتقى التعايش بضرورة تضمين المناهج الدراسية في جميع المراحل «الأسس الشرعية للتعايش» وآثاره، وتفعيل أنشطة ووسائل لا صفية بين الطلاب، وإعداد مسابقات وجوائز قيمة لحث الشباب على إنتاج برامج تعنى بالتعايش السلمي، وإنشاء هيئة عالمية للتعايش الإنساني وتشجيع الحوار بين أفراد المجتمع وعدم إغلاق الباب بين الشباب، وإنتاج برامج وألعاب إلكترونية منافسة في جودتها وقدرتها على إيصال مفهوم التعايش لأفراد المجتمع، وإنشاء مركز علمي يعنى بالدراسات الشرعية للتسامح والتعايش في الأحساء للاهتمام بنشر تجربة الأحساء للتعايش مع أفراد المجتمع الواحد وزيادة اللحمة الوطنية بينهم كما أوصى المملتقى بعقد ورش عمل مركزة تعنى بمحاصرة الفكر المنحرف والمغرض الذي يثير النعرات الطائفية والقبلية والمذهبية، أو الذي يؤلب الناس على ولاة الأمر، ومن ثم وضع الوسائل الناجعة للحد من أثره على المجتمع وعلى الشباب بوجه خاص، وإعداد خطة إعلامية شاملة لإيصال «المفاهيم الشرعية للتعايش والتجارب الواقعية للتعايش الإيجابي، وإنشاء كرسي لأبحاث التعايش في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وجامعة الملك فيصل وغيرها، والاستفادة من تجربة مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني وتطبيقها على نطاق واسع، وإيجاد لجنة من مؤسسة قبس لمتابعة التوصيات ووضع إجراءات عملية للتطبيق واتخاذ الإجراء اللازم. وكان الملتقى أنهى جلساته بجلسة ختامية حضرها رئيس مجلس أمناء مؤسسة قبس الأمير عبدالعزيز بن محمد بن فهد بن جلوي، وكل من: مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور سليمان أبا الخيل، ووزير التعليم السابق الدكتور عبدالله العبيد. وأوضح رئيس الملتقى الدكتور أحمد البوعلي، أن ملتقى التعايش أقيم بدعوة كريمة من رئيس مجلس مؤسسة الأمير محمد بن عبدالعزيز بن جلوي آل سعود «قبس» للقرآن والسنة والخطابة الأمير عبدالعزيز بن محمد بن فهد بن جلوي، وبرعاية وتشريف أمير المنطقة الشرقية صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز، وبحضور محافظ الأحساء الأمير بدر بن محمد بن جلوي، وعدد من الوزراء والمتخصصين بعنوان «ملتقى التعايش ضرورة شرعية ومصلحة وطنية». وذكر أن الملتقى ألقيت فيه 19 ورقة وشارك فيه 25 متحدثاً من مناطق المملكة العربية السعودية في 5 محاور، وكان الأول عن: «التعايش مفهومه ومنهجه في الإسلام وأثره على المجتمعات»، والثاني عن: «فقه التعايش ومشكلاته»، والثالث عن «الإعلام الغلو وأثرهما في التعايش السلمي»، فيما تناول المحور الرابع «الحوار وأثره في السلم المجتمعي»، والخامس «وسائل عملية للتعايش بين المذاهب والأطياف». ورفع المشاركون في الملتقى الشكر والتقدير وعظيم الامتنان إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، بالدعاء والثناء والحب والولاء والتأييد على ما يبذلونه من جهود مباركة في خدمة الإسلام والمسلمين وفي تطبيق الشريعة الإسلامية، وعلى ما يقومون به من إرساء مفهوم التعايش والحوار، حيث يؤكد نظام الحكم الأساسي في المملكة العربية السعودية على أن التعايش مصلحة وطنية كبرى في بناء المجتمع. كما قدموا شكرهم إلى رئيس مجلس الأمناء لمؤسسة «قبس» للقرآن والسنة والخطابة الأمير عبدالعزيز بن محمد بن جلوي، ولفريق العمل في الملتقى، ورؤساء الجلسات والمتحدثين، وإلى جامعة الملك فيصل التي استضافت الملتقى. وأكد المشاركون في الملتقى أنه من المهم فهم معنى التعايش من خلال فهم السلف الصالح للقرآن والسنة النبوية، مع أهمية نشر الأدلة التي تدل على ذلك لدى أفراد المجتمع من خلال رؤية واضحة ومشتركة بين أطياف المجتمع، مشيرين إلى أن المجتمع في المملكة العربية السعودية يقوم على فكر التعايش على أساس من اعتصام أفراده بحبل الله تعالى والتعاون على البر والتقوى والتكامل فيما بينهم وعدم تفريقهم. وشددوا على أهمية مشاركة جميع وسائل الإعلام في نشر مفهوم التعايش بين أطياف المجتمع في حملة إعلامية شاملة وخصوصاً الوسائل القريبة من مشاهدة الناس وتجمعاتهم. وقال المستشار الأسري المعتمد وعضو مجلس المنطقة الشرقية طاهر النجيدي، إن التعايش هو قبولك للطرف الآخر، إضافة إلى احترام مبادئه وقناعاته وفهمك لكيفية التعاون معه على قواعد التوافق الإنساني من أجل خلق بيئة إيجابية تعزز من حالة الانفتاح وتساهم في نشر ثقافة الحوار. وأضاف أن ذلك هو نهجُ قرآني قبل أن يكون نهج حضاري، وتابع «يؤكد القرآن الكريم على أتباعه بحس التعامل مع المخالفين لهم في الدين ما لم يكونوا معتدين، وكذلك مع تأكيده الجازم على حقانية الإسلام، وأنه وحده دين الله وما عداه لن يقبله الله تعالي. وأوصى النجيدي بإنشاء مركز دراسات للتسامح يكون مقره الأحساء لنشر تجربتها فى الداخل والخارج، ومعاونة النخب من أصحاب الفكر والقلم لمواجهة المحرضين ومثيري الفتن والكراهية، والدعوة إلى مزيد من التواصل الاجتماعي لكسر الحواجز النفسية والانفتاح على الآخر، والسعي الجاد إلى مزج مكونات المجتمع في الجامعات والمدارس والأندية الرياضية والأدبية ومؤسسات المجتمع المدني خصوصاً من فئات الشباب. وقالت أستاذة الدراسات القرآنية في جامعة الملك فيصل بالأحساء الدكتورة هدى الدليجان إن الله تعالى خلق في النفوس ميلاً نحو الاجتماع والتآلف، والنفور من العداوة والبغضاء، مبينة أن التعايش أحد لوازم الفطرة السليمة، ويغذيها العقل الصحيح بأهمية تحقيق التواصل والتآلف بين مكونات المجتمع وأفراده لرعاية تلك القيم الفاضلة التي دعا إليها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من مظاهر الإحسان والرحمة والعدل، ليعزز التعايش بين أبناء المجتمع بكل أشكالهم وألوانهم. وأكدت أن الإسلام دين السلام، ويكاد يتفق العقلاء على أهمية التعايش في المجتمع، وبيان قيمته ودوره في البناء والتعمير، والمحافظة على المكتسبات الوطنية، والعمل نحو التفكير المستمر في كل ما من شأنه زيادة الترابط الاجتماعي وتعزيز اللحمة الوطنية لحماية حياض الدين، والدفاع عن الوطن بالنفس والنفيس. وأوضح الشيخ أكرم البلادي، أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما هاجر إلى المدينةالمنورة كأن أول ما فعله بعد بناء المسجد هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ووضع طرق على ضوء القران والسنة، لنبذ الجاهلية والقبلية والطبقية وهذا يدل على عبقرية الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، وقال «لا يُفهم من هذا التعايش الكريم إلا شيء واحد، وهو أن يحيى الناس حياة الأمن والأمان دون الخوف والفزع ومن غير اعتداء أحد منهم على الآخر مع وجود أواصر الألفة والمودة والمحبة، ولا يتم التعايش إلا على ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية». وأضاف «هناك أمر مهم جداً من الضروري الالتفات إليه وعدم إغفاله، وهو وجوب اتخاذ الخطوات العملية والعلمية للتعامل مع المثيرين للفتن من كل طائفة، والمودة والمحبة المفعمة بالإيمان من أهم ركائز التعايش السلمي، لاسيما إذا اقترنت بعقلية منفتحة ومنضبطة بنهج الإسلام، والبغضاء والكراهية وبث الفرقة بين الناس منافية لصريح الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة». وذكر أن نجاح التعايش بين أبناء الوطن الواحد مرهون باتباع هذه القيم السامية والمبادئ العظيمة، فلا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أمر أولها، وأن المشاحنات والمصادمات التي تحصل بين المذاهب المختلفة داخل الوطن الواحد، بلاء عظيم له انعكاسات سلبية تساهم في سلب الأمان وتدمير الأوطان. وأوضح الدكتور قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، أن المسلمين في المدينة كانوا يعيشون واقعاً شبيهاً بواقعنا المعاصر، وكانوا يمثِّلون أمة مستقلة ذات سلوك أخلاقي مميز، وخصوصية ثقافية مستقلة، وطابع اجتماعي واحد، وكانوا مع ذلك منفتحين على غيرهم من الأمم، الكتابية منها وغير الكتابية، وغير منغلقين ولا متقوقعين على أنفسهم. وأضاف «كان اليهود يسكنون المدينةالمنورة مع المسلمين، وكانوا أصحاب دين وعلم وثقافة تُميِّزهم عن غيرهم وتَسْمُوا بهم على سائر من يحيط بهم من العرب المشركين، وهو ما جعلهم يتباهون بما عندهم من كتاب، ويشعرون بالاستعلاء على جيرانهم من العرب والمجوس وغيرهم، وكانت لهم كذلك سطوة على المال وغلبة اقتصادية، وهي أعظم سلاح يستغلُّ لتحقيق الهيمنة الفكرية، وكانوا يخالطون المسلمين في الطرقات والبساتين والأسواق أخذاً وعطاءً وبيعاً وشراءً، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفِّي ودِرْعُهُ مرهونة عند يهودي». وتابع «كل ذلك لم يمنع المسلمين من التعايش معهم، ولم يُبح للمسلمين أن ينقضُّوا على أموال اليهود بالسلب، ولا على أعراضهم بالثلب، فلم يُنكر المسلمون أو يمنعوا أعراف اليهود وعوائدهم الاجتماعية، بل كانت المدينة مفتوحة لسائر المحيطين بها من أهل الكتاب ومن غيرهم، فتراهم يدخلون المدينة بأموالهم فيعرضون سلعهم للبيع ويستبدلونها بسلع أخرى ويعودون إلى بلادهم من غير نكير ولا اعتراض». وأشار إلى أن الثمرة المرجوة من التعايش فيما يظهر لي لن تكون سيطرة النموذج الآخر واستحواذه على خيرات البلاد، وفرض سلطانه على الآخرين، وإنما ستكون بإذن الله انفتاح العالم واتصال بعضه ببعض، لينقاد الناس لدين الله، فهو الذي يتوافق مع مقتضيات العلم، ويرفض الجهل والخرافة، لأنه من عند الله، وهذه الثمرة هي الحضارة الإنسانية المثلى، التي من أجلها أنزل الله الكتب وأرسل الرسل.