قد يكون من المعيب أن يصبح الاحتفال بأي إنجاز مهما صغر حجمه جزءاً من ثقافتنا، وأن يصبح الإعلام مطنطناً لأي باحث ينشر بحثه في مجلة علمية أو أن نصور أي باحث مميز وكأنه أعظم علماء أهل الأرض. في علم النفس هنالك علاقة بين الإنجاز والثواب، فإذا حصل الثواب انحسر الاندفاع نحو الإنجاز، وعندما يكون مستوى الثواب عالياً في ظل انخفاض مستوى الإنجاز، فإن السلوك يتبرمج ويعتاد على القيام بإنجاز ضعيف، والإنجاز الضعيف هو الآن ما نعلمه لأبنائنا الطلاب سواء على المستوى الأسري أو المدرسي؛ حيث نقتل فيهم ماكينة الدافعية والإنجاز من خلال ضخامة الثواب عبر حفلات النجاح المبالغ فيها. وإذا أردت يا رب الأسرة أن تفرح أسرتك، فلك أن تفرحهم بهدايا دون أن تربط مناسبة الهدايا بمناسبة إنجازهم المتواضع. وفي إحدى القنوات الفضائية عُرضت حفلة ضخمة لإحدى العشائر حيث أُلقيت فيها قصائد في المديح والفخر كانت مناسبتها هي تخريج مجموعة من أبنائها في دورة تدريبية لا يتجاوز مدتها شهر واحد فقط. والسؤال: إذا كان ابن هذه العشيرة سيكافأ على الحضور لدورة، فكيف سيندفع لإنجاز درجات علمية عالية! وكأن هذه العشيرة ترسم لذويها رسالة سلبية مفادها: إن أعلى طموح أبنائها العلمي هو حضور دورة. كنت أفكر في مصطلح يعبر عن «الإنجاز المتواضع في ظل مكافأة ضخمة» حتى وقعت على هاشتاق معنون ب «طبلولي»، يُرصد فيه حالات واقعية لمثل هذه الممارسات. و«طبلولي» بالمعنى البلدي هو نوع من الهياط العربي لكنه مخصوص في النشاط العلمي. وإذا كان الاندفاع نحو سلوك «طبلولي» معمولاً به على المستوى الأسري فلك أن تتصور أن نفس السلوك معزز به لدى مستوى الجامعات، إذ استصدرت بعض الجامعات مكافأة ثمينة لمن ينشر بحثه في مجلة علمية تتبع لمعايير معينة تسمى ISI، وعند سماع الخبر ظننا أن العملية تكاد تكون مستحيلة، ولكن عندما فتشنا في بحوثنا المنشورة سلفاً وجدنا أنها تتبع لمجموعة أي إس أي، حتى كادت نظرتنا لأنفسنا أن يشوبها «طبلولي»، وللحقيقة فإن النشر في تلك المجلات لا يعني أن الباحث مميز حتى يستدعي الحال أن يكرم ويعطى مكافأة جزلة، فكل ما في الأمر أن الباحث استوفى الشروط العلمية للبحث بمعايير جيدة فحسب. وإذا كان الهياط والجعجعة الكلامية هي صفة تكاد تلازم العرب كما لازمت أشعارهم، وإذا كان القصيمي وصفهم بقوله «العرب ظاهرة صوتية»، فإن ما نشهده اليوم هو ممارسات لصفة طبلولي أنها انتقلت من تضميناتها الاجتماعية إلى تضميناتها المعرفية العلمية. وعندما ينبغ فرد عربي أو سعودي في علم من العلوم، فليس هذا معناه أنه أوتي ما لم يأتِ به أحد من العالمين، إذ إن كل ما في الأمر هو أن هذا الفرد توافرت له مجموعة من الظروف المعرفية والبيئة العلمية التي تدفعه لأن يبدع في مجاله. وعلى المستوى الجمعي، لو توافرت جميع وسائل ومقومات الإبداع المعرفي لمجتمعنا وأهمها وجود نماذج وقدوات علمية لأصبح مجتمعنا مبدعاً بطبعه دون الحاجة لحفلات طبلولي.