في كثيرٍ من الأحيان تتجسد أمام العقل البشري مشاهد عديدة تطالعها البصيرة الإنسانية، وهي تهفو لها وتأنس بها في تلاقٍ وجدانيٍ حميم، من خلالها تتزاحم الأفكار في مخيّلتي عن الغيب الرهيب، عن تلكمُ الأعباء في وادي الفناء لتسحق مُنية الغادي القشيب، وذهبت أبحث في شرودٍ بين أمواج الحياة، عن ضوء فجرٍعن وجودٍ يُلقي أطواق النجاة عن ومض إشراقٍ يزفُّ بشراه القريب. تتآكل الأيام وتنقرض بين الزحام، والعمر ماضٍ يفتقد قلباً توقّف نبضه من وقْع أسراب السهام، تلك التي قد وُجّهت وتأهّبت وتوثّبت نحو الخميلة بين أزهار الخُزام، فيلاقي كلٌ حتفه ويغيب خلف أستار المَغيب. أزف الرحيل متمتماً منذ البداية، بنهاية الأحياء والأشياء من بين البرايا، وينطفئ وجه السناء بين إعتام الرُغام ويرتجف قلبٌ تردّى في ثرى اللحد المهيب. ويندثر وجه الصباح وقد تغشّاه القتام، أتراه أفضى واستراح أم يُلاحقه الزؤام، ويُجر ثانيةً إلى حتف الحطام، تتزاحم الأفكار وقد تكبّدت العناء، والخوف يعلوها مراراً تبتهل وِرْد اللقاء، في كل خطبٍ قد وعيت بعينها قسمات عطفٍ للورى فاضت بنورٍ قد سرى بين الربوع، للخير غرسٌ أزهرا يشدو أهازيج المحبة في ثمارٍ يانعات طلْعُها وجهٌ بديع، ما بين شيب أو شباب أو رضيع، غمرت بتحنانٍ وأدْلَت دلوها تروي القلوب. في العالم الآخر تلقاها هناك، حانية اليدين باعثة النسيم العنبري، في راحها الراحة الأبدية طِيب المقر بمُستقرٍ في العُلا، أيها الإنسان.. طوبى تُهدهد بعدما طال الشقاء، طوبى يلاقي دفئها حُضن الغريب. في العالم الوردي السرمدي، سلواك الصعود إلى صعيدٍ طَيّبٍ تغشاك السكينة والسلام، وتحفُّك أطيار الرُبى في غدوٍّ ورواحٍ سربها يهوى النظام، يلتف بجيدها طوق الورود، يتدلّى من جناحيها غصنُ زيتونٍ يزود، عن كل معنى قد شدا روح السكون، روحٌ تعانق في المدى صحفاً تطير مدادها قلمٌ ونون، يسطرون.. وخلفهم سرٌ عجيب. في العالم الأبدي تسكن الأرواح، وتطوف بهجتها على ساح البراح، على متن الرياح عادت بها الرحمات من بعد الممات لتطير فوق أجنحة البساط بالأفق الرحيب. يا موكب الأنوار قد بزغت الآمال من نبض الرجا، بين إشراق النهار وإذا الليل سجى، وارتمى من كل بُدٍ بين أحضان الدُجى ، فلترقب الأبصار شاخصةً تتلهف العبق النرجسي بروضك الأخَّاذ بين غيداء وطِيب.