قضيت بضع دقائق أتأمل فيديو الجندي الشجاع جبران عواجي الذي استطاع قتل اثنين من أعتى الإرهابيين المطلوبين من صانعي الأحزمة الناسفة بطلقات رشاشه التي ما كنا لنسمع دويَّها لولا أن فتاة الدريشة كانت تراقبه والتقطت مشهد جسارته بكاميرا جوالها وهي تصيح ببحة صوتها «مات.. مات أحسن». تُرى كم جبران عواجي لم تعرف كاميرا الجوال شيئاً عن شجاعته وجسارته واستعداده لخوض أعتى الحروب وتلقي رصاصات العدو بصدره، كرمال وطنه ودينه، ولا يبالي؟. هذا الموقف ذكّرني بعنترة بن شداد أحد أشهر فرسان العرب حين كرّت على قومه قبيلة طيِّئ وكان عنترة عبداً أسود قد اعتزل قبيلته غاضباً من عنصريتهم فقال لهم وهم يستغيثون بشجاعته: دونكم القوم، فإنكم عددهم، واستنقذت طيئ الإبل. فقال له أبوه: كُر يا عنترة! فقال عنترة: العبد لا يحسن الكر إنما يحسن الحلاب والصر، فقال له أبوه: كر وأنت حر، فكرّ عنترة وفرّ وانتصر لقومه بشجاعته. طبعاً أنتم قد لا توافقونني على المقارنة بين الجندي المسلم جبران عواجي الذي يدافع عن وطنه ودينه وبين عنترة بن شداد الذي يدافع عن قبيلته، لكن أكيد توافقونني على أن النفوس العظيمة تظهرها الشدائد والمحن. أما فتاة الدريشة التي صاحت ببحة صوتها وشماتتها اللذيذة «مات مات.. أحسن» فقد جلبت لنا معشر النساء من الكلام ما كان ينقصنا فأصبحت النكات تلاحقنا بعد أن انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي أن ثمة جوائز ثمينة في انتظارها، فمنهم من يقول لنا: اِلزَمْنَ دريشاتكن.. ومنهم من يقول: إن مراقبتك للدريشة أفضل لك من ترقّب الوظيفة.. ومنهن من تكتب ساخرة على الواتساب: أستأذنكم في مغادرة القروب لأن ورائي نبتجية مراقبة خلف الدريشة. ولأنه يذكر الشيء بالشيء تذكرت سالفة مهندس عبدالحميد ذلك التويتري اللحوح خفيف الدم الذي غرّد قائلاً: «هل من عادة الشعب السويدي تكسير تليفزيونات الناس؟ «اعتراضاً منه على إتلاف عمال إيكيا شاشة تلفزيونه وعدم مبالاة الشركة بتعويضه، مضيفاً على ذلك هاشتاق #صلحوا_الشاشة يغرد فيه أطرف التغريدات مثل: «صباح الخير عائلتي غاضبة لأنني أصبّح على إيكيا أكثر منهم، عطلة نهاية أسبوع سعيدة مدري وشلون تتهنون بنومكم وأنتم كاسرين تلفزيوني. عائلتي غير سعيدة بلا تلفزيون». تلك التغريدات التي وصله على إثرها أكثر من تلفزيون جديد وأوقية مروكي ومسباح بشعار ناديه المفضل وراوتر هواوي وعلاج طبيعي، ثم توالت عليه الهدايا كالمطر ما شاء الله، عيني باردة. والأجمل من ذلك هو رد الشركة عليه أخيراً «شكراً لتعاونك معنا خلال اليومين الماضيين ونود تأكيدك لموعد تسلُّم التلفاز الجديد في أقرب وقت». خلاصة القول: الزمْنَ يا بنات دريشاتكن فقد تصلكن الهدايا إلى باب دوركن، والزموا يا شباب تويتر وغردوا فربما حالفكم الحظ بما لم يخطر لكم من قدر.