جرت العادة مند زمن بعيد، أن تستقبل وسائل الإعلام بكل أنواعها كل سنة جديدة، بسرد لحصاد أهم الأحداث، الفنية والثقافية والاجتماعية والسياسية، والتركيز على أبرز الشخصيات العامة التي أثرت في مجريات السنة المنتهية، وتختار من بينهم الشخصية التي تستحق أن تتبوأ مقام «شخصية العام»، الذي تعتمد جل الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية في اختياره على طريقتين، الأولى استفتاءات الرأي العامة، والثانية عبر مقاييس ومعايير خاصة – يمكن أن تختلف أو تلتقي فيها كثير من وسائل الإعلام – تعتبرها مناسبة، وعلى رأسها معيار الانتشار الإعلامي وطنيا ودوليا. وفي مرمى فوضى الشخصيات وتشتت الأفكار حولها، فلنفكر في خوض مغامرة هذه التجربة، لكن وفق وحدات قياس ومعايير تقييم خاصة بنا، نخرج فيها عن الصفات المثالية أو القريبة من المثالية التي دأبت على اعتمادها جل وسائل الإعلام في انتقائها، والمتمثلة في الشخصية الأفضل والأصلح والأجمل والأكثر تضحية في خدمة مجتمعه والأكثر توظيفا لمجهوداته لتنمية وترقية وطنه والرفع من مستوى مواطنيه، هذه الصفات تراجعت، مع الأسف في عالمنا وأصبحت لا تتوفر إلا في قلة قليلة من الشخصيات العامة من الذين آلوا على أنفسهم أن يكونوا في خدمة الشعب وليس العكس، ولذلك فإن الصفات التي يجب أن تجتمع في الشخصية المختارة التي ملأت علينا عامنا هذا من بدايته إلى نهايته، وربما تستمر خلال أيام العام الجديد بكل صفاتها وبكل ما تتشبع به نفوسها الضعيفة بالقيم الجديدة التي عمت العالم مثل الشطارة والحقد والكراهية والكذب والتلوّن، وقلة المروءة، والتخلي عن المُثل والمبادئ العليا، والتجرد من القيم والثوابت الأصيلة وكل مفاهيم الوطنية والمواطنة، والتجرد من الإنسانية والتخلي عن القيم الدينية والثقافية والفكرية، والثبات على المعتقد، والاستقرار على الموقف، إلا بمقدار الإستراتيجيات التي تمكنهم من تحقيق المكاسب، ومصادرتها والاستفراد بها بالتحايل والكذب. هذه بعض الصفات والقيم التي يجب أن تتوفر فيمن يستحق أن يكون «شخصية العام» التي لاشك أنها تتوفر في كثير ممن تعرفون، من الذين يأكلون – كما يقول المثل العربي – مع معاوية إذ تكون المائدة دسمة وعامرة، وحين تقوم الصلاة يهرعون ليؤدوها خلف علي، وحين يشتد القتال وتشتد المواجهات يقفون على التلّ وأيديهم على جيوبهم خوفاً من أن يضيع ما جمعوه باللف والنفاق وتقلب المواقف ويقولون «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون». ملاحظة: لا نقصد بتلك الشخصية، أي شخص بعينه، ولكني أدعو القراء بأن يغمضوا أعينهم ويتخيلوا هيئة هذه الشخصية التي تعيش بيننا في كل مكان، وملأت علينا الدنيا هما وغما، وأتخمت آذاننا بالكذب والنفاق للتغطية على نواقصها. وكل عام وأنتم بخير.