لأستاذنا د. سعد البازعي أفضال كثيرة علينا، نحن طلاب قسم اللغة الإنجليزية في جامعة الملك سعود، وقد امتد فضله إليَّ شخصيَّاً، بعد الجامعة. ما أجمل العودة بالذاكرة إلى تلك الحقبة الغضَّة من حياتنا عندما كان الأستاذ البازعي يدرِّسنا الشعر الفيكتوري والشعر الرومانسي في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، وعندما كنا نتساءل عن معنى تلك المادة التي لم ندرسها خوفاً من اسمها «الشعر في عصر الياصابات واليعقوبي»! لنكتشف فيما بعد أن الياصابات ليس سوى تعريب غير موفق ومشوَّش لاسم الملكة العذراء إليزابيث الأولى التي عاشت ما بين (1533 – 1603). وأن «اليعقوبي» يشير إلى Jacobean era هو فترة في التاريخ الإنجليزي/ الأسكتلندي تتوافق مع فترة حكم الملك جايمس الأول، حاكم أسكتلندا الذي ورث عرش إنجلترا بعد وفاة إليزابيث في 1603 وصار حاكماً لأيرلندا أيضاً. لا أدري ما ضَرَّ المترجمين وقتها لو قالوا ببساطة «عصر إليزابيث»! التقيت بالدكتور البازعي من جديد في السنوات القريبة الماضية، وأخبرته ذات مرة بأنني قد ترجمت كتابي الأول. فوجهني أيامها لطباعته مع مشروع كلمة في أبوظبي وعرَّفني على الدكتور الفاضل علي بن تميم، الرجل الذي يقف وراء مشروع كلمة للترجمة ويدير الدفة بحكمة الربّان الحكيم، «لا قحْماً ولا ورعاً». لقد كان لطفاً وذوقاً من الأستاذين، وتشجيعاً لمترجم يطرح كتابه الأول، ومشروع كلمة ما برح يولي تشجيعاً خاصَّاً للخليجيين. عند إنشاء مشروع كلمة، وعد د. علي بن تميم بترجمة 1000 كتاب في عشر سنوات، بمعدل 100 كتاب في كل سنة. منذ أسابيع احتفل مشروع كلمة بنشر 900 ترجمة في تسع سنوات. هذا إنجازٌ كبير بالنسبة لنا كعرب تتغير خططهم كل ثلاثة أشهر ويتبدل المسار في كل سنة. الثبات والانضباط والسير على الخطة وتنفيذها بدقة، إنجاز جدير بالاقتداء والتقدير والاحترام، وهو ما يوصل إلى الغايات. عندما التقيت بالدكتور علي بن تميم، أهداني مجموعة كبيرة من إصدارات مشروع كلمة، كلفني بسببها شراء حقيبة جديدة. كانت كتباً متنوعة في شتى العلوم والفنون، من كتاب «التنين» للفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز، مروراً بكتاب «المؤمن الصادق» لإيريك هوفر، من ترجمة الراحل الذي لا يغيب غازي القصيبي، وانتهاء بكتاب في تاريخ الشاي. ولا يتوقف التنوع على المواضيع فقط، بل في اللغات أيضاً. فمشروع كلمة لا يترجم عن الإنجليزية فقط، بل يترجم كتب الألمان والفرنسيين واليابانيين والصينيين، ويقفز بعيداً ليترجم آداب أمريكا الجنوبية، ولكل بلاد الدنيا. هذا كله، يجعل القارئ العربي في حالة ممارسة للفعل التواصلي مع كل حضارات وثقافات وآداب العالم، وهذا كله يصب في مصلحة الوعي والرقي والسير بخطوات راسخة نحو الفهم والسلام. فوق كل هذا، تميز مشروع كلمة بالرقي في التعامل والنزاهة الكاملة فيما يتعلق بالقضايا المالية والحقوق، في حين يتعرض من أشغل نفسه بتأليف الكتب، للغش والاحتيال وسرقة الحقوق، من قبل دور نشر تطرح نفسها على أنها ناشرة للوعي والفكر والثقافة. بالأمس القريب، حاز د. علي بن تميم على الثقة الغالية الصادرة من القيادة بحيث وُلِّي منصباً جديداً وذلك عندما أصدر الشيخ محمد بن زايد أمره بتعيينه مديراً عامّاً لشركة أبوظبي للإعلام، وهو أهل لهذا المنصب ولا شك أن بصمته ستكون واضحة المعالم، معالم تظهر في صورة الإنجاز من جديد.