لن يجد الباحث عن مثالٍ واضحٍ وفاضح، على مدى اتساع الفجوة بين التنظير والتطبيق، من «موضة الجودة»، التي اجتاحت كل مؤسساتنا الخدمية، وقطاعاتنا الحكومية، حيث أصبح الحصول على شهاداتها «الكرتونية»، و أختامها «الصورية»، غايةً شكلية بحد ذاتها، لا وسيلةً للإتقان وتجويد العمل، حتى لم يعد غريبًا أن تحصل أي مؤسسةٍ على «علامة الجودة»، بينما لا تقدم إلا أسوأ الخدمات، ولا تنتج سوى «أردى» المخرجات..! أين «الجودة» التي تدعيها «وزارة الشؤون البلدية» وشقيقتها «وزارة التجارة»، والواقع لا يكذب ولا يتجمل، في الأحياء، والشوارع، والحدائق، والمطاعم، والمجمعات التجارية، والأسواق، وآخر شواهد جودة الخدمات البلدية والتجارية، فضيحة شاحنات «الدجاج الفاسد» (مع التحفظ على وصف الدجاج البريء بالفساد) التي لولا لطف الله ثم «خلاف الحرامية»، الذي أدى للبلاغ عن الجريمة، لأكل المواطنون قرابة (800) ألف دجاجةٍ منتهية الصلاحية، هنيئًا مريئًا، بعد أن اعتادت بطونهم، على التهام ما تخزنه المستودعات، وتوزعه الشاحنات، في غفلة التجارة والبلديات..؟! وأين «الجودة» التي تدندن حولها «وزارة التعليم»، والواقع لا يكذب ولا يتجمل، في المدارس، والمناهج، وفي أحوال المعلمين والمعلمات، ونتاجات الطلاب والطالبات، وفي كافة عناصر المنظومة التعليمية، بينما توزع الوزارة شهادات «التميز» على بعض إداراتها، وهي تعلم يقينًا أن معظمها لا يجيد إلا «تعبئة النماذج» كما يجب، والوفاء بكامل متطلبات «البهرجة والشكليات»..؟! ثم أين «الجودة» التي تروج لها «وزارة الصحة»، والواقع لا يكذب ولا يتجمل، في المراكز الصحية، والمستوصفات، وخدمات المستشفيات، وفي فروع الشؤون الصحية، وكافة الإدارات، وآخر شواهد جودة الخدمات الصحية، ما أعلنت عنه الوازرة نفسها، حيث كشفت عن «فشل» نحو (143) ألفًا من منسوبيها، في استخدام «البريد الإلكتروني»، مما يعني أن حوالي (65%) من موظفي وزارة الصحة، «أميون» في أبسط أبجديات المعاملات الإلكترونية، التي تعد من أهم مظاهر ومؤشرات الجودة واشتراطاتها الأولية..؟! ختامًا؛ إلى متى ستظل حال معظم مؤسساتنا مع مفهوم «الجودة» وتطبيقاتها، كالمثل العامي الذي يقول: «تلبس خلاخل، والبلا من داخل»..!