رغم إفادةٍ أوَّلية بعدم توصُّل وزيري خارجية الولاياتالمتحدةوروسيا إلى تقدُّم بشأن هدنةٍ في حلب؛ أعلن وزير الخارجية الروسي، لاحقاً، أن نظام بشار الأسد أوقف عملياته القتالية في المدينة. وعلى هامش اجتماعٍ سنوي لمنظمة «الأمن والتعاون في أوروبا»؛ صرَّح سيرجي لافروف من هامبورغ «أستطيع ان أقول لكم إن العمليات القتالية للجيش السوري أوقِفَت في شرق حلب» و«هناك عملية كبيرة قائمة لإجلاء المدنيين»، بحسب ما نقلته عنه وكالات الأنباء الروسية. ونقلت الوكالات عنه أيضاً «سيكون هناك ممر لإجلاء 8 آلاف شخص لمسافة 5 كيلومترات». وتحدث لافروف، في الوقت نفسه، عن مفاوضات عسكرية ودبلوماسية، تُعقَد السبت في جنيف السويسرية، ل «إنهاء العمل الذي يحدد وسائل حل المشاكل في شرق حلب». وقبل هذا الإعلان؛ ذكر مسؤول أمريكي أن وزير خارجية بلاده، جون كيري، ونظيره لافروف لم يحرزا أي تقدِّمٍ الخميس في محادثاتهما بشأن إمكانية التوصل إلى هدنةٍ في حلب (شمال سوريا)، بعد عقدهما اجتماعين مقتضبين وغير رسميين في هامبورغ. وأفاد المسؤول قُبيل مغادرة كيري المدينة الواقعة شمالي ألمانيا حيث تُعقَد الجمعية السنوية للأعضاء ال 57 في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا «لم يحصُل تقدُّم حول مسألة حلب». وبحسب المسؤول؛ أبلغ كيري الصحافة الروسية بأن الجهود ستتواصل رغم ذلك. وكانت محادثات الوزيرين في المدينة الألمانية بدأت بلقاءٍ مساء الأربعاء، دون التمكن من إحراز تقدُّم فعلي حول اقتراح وقف المعارك في حلب وخروج مسلحي المعارضة السورية منها. وبعد التصريح الروسي عن وقف القتال؛ علَّق المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إيرنست، قائلاً «هذا يعد مؤشراً إلى أن شيئاً إيجابياً يمكن أن يحدث». بدورها؛ جددت الأممالمتحدة، الخميس، دعوتها إلى وقفٍ فوري لإطلاق النار في حلب حيث ينتظر مئاتٌ من الأطفال المرضى أو المصابين إجلاءهم من مناطق المعارك. وشدد رئيس مجموعة العمل الأممية حول المساعدات الإنسانية في سوريا، يان إيغلاند، خلال مؤتمر صحفي في جنيف «يجب أن تكون هناك هدنة.. مئات الأطفال والمرضى والجرحى (…) يجب أن يخرجوا» من الأحياء الشرقية للمدينة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة وتحاصرها قوات بشار الأسد. وكشف إيغلاند عن تلقِّي مجموعة العمل الإنسانية، خلال اجتماعها الأسبوعي أمس في المدينة السويسرية، ما يفيد بوجوب إجلاء بين 100 و500 طفل بسبب وضعهم الصحي. واعتبر المسؤول الأممي أن دخول الطواقم الأممية إلى شرق حلب لن يكون ممكناً ما لم تتوقف الأعمال القتالية حتى لو وافقت حكومة الأسد على دخول هذه المناطق. وأوضح «الطواقم الإنسانية الموجودة في غرب حلب (الخاضع لسيطرة النظام) لديها حصص غذائية تكفي ل 150 ألف شخص»، في إشارةٍ إلى رغبة الأممالمتحدة في نقل الحصص إلى الشطر الشرقي. وكان هذا الشطر يضم، قبل الهجوم الأخير لقوات الأسد، نحو 250 ألف شخص، بينما يضم الشطر الغربي أكثر من مليون. في سياقٍ متصل؛ وجَّهت منظمة «الخوذ البيضاء» نداءً الخميس إلى المنظمات الدولية لحماية متطوعيها وتوفير ممرٍّ آمنٍ لهم أمام تقدُّم قوات النظام في حلب. و»الخوذ البيضاء» تمثِّل الدفاع المدني المستقل العامل في شرق المدينة. وذكرت المنظمة التي رُشِّحَت لنيل جائزة نوبل للسلام، في بيانٍ لها، أن «أعضاء الدفاع المدني السوري المحاصرين في حلب يطالبون بتوفير ممر آمن بشكل عاجل لجميع متطوعي الإنقاذ وعائلاتهم والعاملين الآخرين في المجال الإنساني ضمن المدينة». ونبَّه البيان متوجهاً إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأممالمتحدة ومجلس الأمن «إذا لم يتم إجلاء متطوعينا؛ فإنهم سيواجهون التعذيب والإعدامات الميدانية في معتقلات النظام» و»بالتالي؛ نحن بحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ حياة العاملين في المجال الإنساني في الجزء المُحاصَر». والمدينة مقسَّمة منذ 2012 بين شطر شرقي مع المعارضة وغربي تحت سيطرة النظام الذي تحاصره قواته الأحياء الشرقية منذ نحو 4 أشهر. وباتت قوات النظام تسيطر على نحو 85% من الأحياء الشرقية منذ بدئها أحدث هجومٍ في ال 15 من نوفمبر، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. وشمَل الهجوم تكثيف القصف الجوي والمدفعي، وأكدت منظمات وصحفيون تسبُّبه وفاة عديد المدنيين (889 وفق إحدى الإحصائيات). وجاء في بيان «الخوذ البيضاء» أن «لدينا أسباباً معتبرة لهذه المخاوف. لقد قام النظام وحلفاؤه مراتٍ عديدة بتزوير الحقائق واتهام عمال الإنقاذ العزل والنزيهين العاملين في فرق أصحاب الدفاع المدني بأنهم يتبعون لجماعات متطرفة راديكالية».وأبدت المنظمة مخاوفها من احتمال «التعامل مع جميع متطوعي الدفاع المدني والعاملين في المجال الإنساني باعتبارهم مجموعات إرهابية»، محمِّلةً الصليب الأحمر والأممالمتحدة ومجلس الأمن «المسؤولية الكاملة عن حياتنا، حيث ندعو لتأمين ممر آمن للمتطوعين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، حيث إننا نعتقد أنه لدينا أقل من 48 ساعة قبل اقتحام النظام للمناطق التي نوجد فيها». وبدأت «الخوذ البيضاء»، التي تضم حالياً نحو 3 آلاف متطوع، العمل في 2013. ويُعرَف متطوعو الدفاع المدني منذ 2014 باسم «الخوذ البيضاء» نسبة إلى لون الخوذ التي يضعونها على رؤوسهم. وخلال سنوات النزاع الذي بدأ في 2011؛ تصدرت صورهم وسائل الإعلام العالمية وهم يبحثون عن عالقين تحت أنقاض الأبنية أو يحملون أطفالاً مخضبين بالدماء إلى المشافي. ووفق ما أوردته وكالة الأنباء «فرانس برس» قبل تصريح لافروف؛ واصلت قوات النظام، مدعومةً من ميليشيات مسلحة موالية لها، تقدمها أمس نحو الأحياء الأخيرة التي لا تزال تحت سيطرة مقاتلي المعارضة في شرق حلب. وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى تركُّز المعارك الخميس في أحياء صلاح الدين وبستان القصر (في الشطر الشرقي). يأتي ذلك فيما نددت منظمة «سيف ذي تشيلدرن»، غير الحكومية المدافعة عن الأطفال، بتحُّول «عشرات آلاف الأطفال» في المدينة إلى «أهداف سهلة». وفي بيانٍ لها؛ توقَّفت مديرة المنظمة، سونيا خوش، عند وضع النازحين من المدينة و"أشخاصٍ يسيرون في الشوارع من دون أي شيء إلا ملابسهم لتقيهم من البرد»، منتقدةً غياب أي تحرك دولي. وتمَّ ليل الأربعاء- الخميس إجلاء أكثر من 150 مدنياً، غالبيتهم مرضى أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، من مركزٍ طبي في «حلب القديمة» إثر سيطرة قوات النظام عليها، بحسب ما أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وأفادت اللجنة، في بيانٍ صدر الخميس، بأن الصليب الأحمر نقل أيضاً جثث 11 شخصاً كانت في المبنى نفسه، بعدما قُتِلوا خلال المعارك التي شهدتها المنطقة قبل أيام. وجاء في البيان «دار الصفاء هو دار للعجزة أساساً، لكنه جُهِّزَ لاستقبال مرضى يعانون من اضطرابات نفسية أو جسدية، كما لجأ إليه عشرات المدنيين، وبعضهم جرحى». وأبانت مسؤولة اللجنة في سوريا، ماريان غاسر، أن «الأشخاص الذين تم إجلاؤهم بقوا عالقين على مدى أيام عدة بسبب عنف المعارك»، مؤكدةً «عددٌ كبيرٌ منهم غير قادر على التنقل ويُفترَض أن يتلقى علاجات خاصة. لابد أن الأمر كان رهيباً بالنسبة إليهم». وتسبَّب القتال في حلب منذ حوالي الشهر في نزوح 80 ألف شخص من الأحياء الشرقية، بحسب مرصد حقوق الإنسان. وتصدَّر الوضع الميداني والإنساني في المدينة أعمال اجتماعاتٍ بدأتها الهيئة العامة للائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة. وندَّد الائتلاف، عبر موقعه الذي لم يحدِّد مكان الاجتماعات، بما تتعرض له حلب من هجمة غير مسبوقة أدت إلى مقتل ما يزيد على 1000 مدني، معظمهم أطفال ونساء، وجرح نحو 6 آلاف آخرين، فضلاً عن خروج مشافي ومدارس عن الخدمة وتدمير مركزين للدفاع المدني. وشدد نائب رئيس الائتلاف، عبدالأحد اسطيفو، على أن «حلب محورٌ أساسي». ودعا إلى اتخاذ قرارات مصيرية على الصعيدين الداخلي والخارجي، معوِّلاً على أصدقاء الشعب السوري. وهذه الدورة من الاجتماعات هي ال 31 للائتلاف الذي سمَّاها «دورة حلب»، وشارك فيها أعضاءٌ جدد من المجلس السوري التركماني والمكوِّن النسائي. وانتقد الممثل عن الكتلة التركمانية، يوسف منلا، عجز المجتمع الدولي عن حماية المدنيين. ونبَّه إلى ضرورة إيجاد مبادرة سريعة لإيقاف حمام الدم وإيصال المساعدات إلى المحاصَرين، مندداً بمعاونة روسيا وإيران لنظام الأسد فيما يرتكبه من مذابح بحق سكان حلب. بينما دعت عضو الائتلاف، سلوى كتاو، إلى تظاهرات شعبية للسوريين في كل أنحاء العالم للمطالبة بوقف القصف الإرهابي على حلب وباقي المدن والبلدات السورية. ووفق المكتب الإعلامي للائتلاف؛ ركِّز اليوم الأول من اجتماعات الهيئة العامة على تقييم المراحل التي مرَّت بها الثورة، فيما سيشهد اليوم الثاني تقدير موقف للمرحلة الراهنة «ومن ثَم سيتم الخروج باستراتيجية جديدة للمرحلة المقبلة تستند إلى 4 محاور عسكرية وسياسية وثورية ومدنية». على جبهة أخرى في سوريا؛ أحصى مرصد حقوق الإنسان مقتل 34 عنصراً على الأقل من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، خلال هجمات عنيفة ومتزامنة نفذها تنظيم «داعش» الإرهابي في محيط حقول جزل والمهر وشاعر النفطية في منطقة تدمر بمحافظة حمص (وسط). وكانت حصيلة سابقة أشارت إلى مقتل 26 عنصراً.