أعلنت فصائل عسكرية معارضة تشكيل «جيش حلب» بقيادة «أبو عبد الرحمن نور» لفك الحصار عن المدينة بالتزامن مع دعوة القائد الجديد ل «حركة أحرار الشام» جميع الفصائل السورية إلى التوحد، في وقت نشر النظام السوري مئات من جنوده لاستعادة الأحياء الأكثر اكتظاظاً بالسكان في شرق حلب وخوض «حرب شوارع» وتسريع سقوط معقل المعارضة. وأفادت الأممالمتحدة أن روسيا تريد فتح أربعة ممرات لإخراج الجرحى وإدخال مواد طبية وغذائية للمحاصرين شرق حلب. وأصبحت قوات النظام المدعومة بمقاتلين أجانب تسيطر على 40 في المئة من شرق حلب بعد 15 يوماً على بدء هجوم واسع لاستعادة كامل ثاني مدن سورية، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان». وأضاف: «يعمل النظام على تضييق الخناق على ما تبقى من قسم حلب الشرقي الذي ما زال تحت سيطرة المعارضة»، مضيفاً أن قوات النظام بعد سيطرتها على شمال شرقي المدينة، باتت تتقدم «شرقاً في محيط كرم الجزماتي وجنوباً» في حي الشيخ سعيد الشاسع المساحة. وأوضح «المرصد» أن مئات من جنود الحرس الجمهوري ومن الفرقة الرابعة انتشروا «تمهيداً لحرب شوارع» في المناطق الأكثر اكتظاظاً بالسكان في شرق حلب. وأضاف أنهم «يتقدمون لكنهم يخشون الكمائن في تلك المناطق بسبب كثافة السكان والمقاتلين». وأفادت قناة «حلب اليوم» من خلال حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي، بتشكيل "جيش حلب" التابع لمجلس قيادة حلب، والذي يضم كافة الفصائل داخل المدينة. ونقل المصدر عن أبو عبد الرحمن نور قائد «جيش حلب» قوله إن الهدف من تشكيل الجيش هو «توحيد الجهود ضد الهجمة الشرسة التي تشنها قوات النظام وفك الحصار عن المدينة». وكانت فصائل مدينة حلب أعلنت تشكيل مجلس قيادة حلب ل «الوقوف في وجه قوات النظام وميليشياته»، بقيادة المهندس أبو عبد الرحمن نور، وأبو بشير معارة قائداً عسكرياً لحلب. وقال المسؤولان اللذان تحدثا من تركيا إن التحالف الجديد سيسمى «جيش حلب» ويرأسه أبو عبدالرحمن نور قائد جماعة «الجبهة الشامية» وهي واحدة من الجماعات الرئيسية التي تحارب في شمال سورية تحت لواء «الجيش السوري الحر». وقال مسؤول بالجبهة الشامية لرويترز إن التحالف الجديد سيساعد في مركزية عملية اتخاذ القرار. ويقدر «المرصد السوري» عدد المقاتلين المناهضين للنظام في شرق حلب بحوالى 15 ألف عنصر بينهم 400 من «جبهة فتح الشام». والتقى ممثلون عن فصائل المعارضة في حلب، في الأيام الماضية موفدين روساً في أنقرة لبحث احتمال إعلان هدنة. في غضون ذلك، قال القائد العام الجديد ل «حركة أحرار الشام الإسلامية» المهندس علي العمر إن «سبب الانتكاسات التي حلت بالثورة هو الفرقة وعدم التوحد»، مؤكداً أن الحركة «ستمد يدها لكافة الفصائل بلا استثناء حتى تندمج جميعها وتصبح صفاً واحداً». وأضاف في فيديو: «أصابتنا انتكاسات لأننا نقضنا العهد مع الله فلم ننصره حق نصره، لأن نصرنا لله يقتضي طاعته بالاعتصام بحبله ونبذ الفرقة المهلكة، فصنعنا غير ما أراد الله منا، فكان عاقبة ذلك تراجعاً في الميدان، وتطويلاً لمعاناة الشعب المسكين". وتابع: «خطوات الإصلاح هي التوبة النصوح، وشرط التوبة الاعتراف بالذنب والإقلاع عنه، لذا سنمد أيدينا إلى إخواننا في كل الفصائل بلا استثناء، ونكمل ما ابتدأه إخواننا معهم من مساعي التوحد والاندماج، حتى نصبح وإياهم صفاً واحداً، وسنحرص على إحياء المنهج الرباني في جهادنا لعدونا، وفي الشورى الحقيقية ومحاسبة المخطئين وتحقيق العدل». في جنيف، قال يان إيغلاند رئيس مجموعة العمل حول المساعدة الإنسانية في سورية التابعة للأمم المتحدة في اختتام اجتماع في جنيف إن «الاتحاد الروسي أعلن أن مبعوثيه يريدون الاجتماع في حلب مع موظفينا لبحث الطريقة التي يمكننا فيها استخدام هذه الممرات الأربعة لإجلاء الناس وخصوصاً 400 جريح على الأقل بحاجة لإجلاء طبي فوري». وأضاف أن هذه الممرات يمكن أن تستخدم أيضاً لنقل أدوية ومواد طبية وغذائية. من جهته، أكد مبعوث الأممالمتحدة الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا أن إعلان «هدنة» إنسانية يبقى أولوية لدى المنظمة الدولية. وتابع إيغلاند أن سبل عمل الممرات الإنسانية الأربعة المقترحة من قبل موسكو ستبحث خلال النهار، مذكراً بأن هذا الأمر لا يمكن أن ينجح «إلا في حال احترمته كل الأطراف المسلحة». وكانت موسكو، حليفة النظام السوري، أعلنت في السابق عن اتفاقات هدنة أحادية الجانب وأقامت ممرات إنسانية لكن الأممالمتحدة لم تستخدمها أبداً بسبب عدم وجود ضمانات أمنية. وهذه المرة «إذا قال الروس إن هناك أربعة ممرات إنسانية، فسنحرص بأن الحكومة الروسية ستحترم ذلك ونحن الآن متفائلون حيال واقع أن مجموعات المعارضة المسلحة ستقوم بالمثل» كما أضاف إيغلاند. وقال مبعوث الدول الغربية الداعمة للمعارضة في بيان: «خلال الأيام القليلة الماضية شنت قوات نظام الأسد الذي يعتمد بشده على «حزب الله» وروسيا وإيران عملية عسكرية للسيطرة علي شرق حلب. ولا يزال عشرات آلاف من الناس محاصرين ومحرومين من الحصول علي المعونة الإنسانية. واليوم، فإن الحالة أكثر قتامة مما كانت عليه في أي وقت على مدى السنوات الماضية». وبين الموقعين المبعوثان الأميركي مايكل راتني والبريطاني غاريث بايلي. وأضاف البيان: «مع تدمير المرافق الطبية، لا يحصل الناس علي الرعاية الطبية التي تشتد حاجتهم إليها. ووافقت المعارضة على تنفيذ خطة الأممالمتحدة الإنسانية لحلب وتقف الأممالمتحدة على أهبة الاستعداد لتقديم المساعدات. ونناشد النظام وأنصاره وقف إطلاق النار فوراً وتوفير وصول المساعدة الإنسانية لسكان شرق حلب، إضافة إلى ضمان حماية المدنيين في جميع الأوقات». شوارع مكتظة بالجثث ونازحون «لا رغبة لهم في الحياة» أفيد أمس أن الجثث كانت تملأ الشوارع في الأحياء التي لا تزال تحت سيطرة فصائل المعارضة في شرق حلب، وقد قتلوا في القصف العنيف الذي يستهدف هذه الأحياء من القوات النظامية. ويعيش من تبقى في هذه الأحياء من دون مستشفيات ووقود وسيارات إسعاف منذ بدء الهجوم العنيف وحملة القصف المكثف قبل أسبوعين الذي تمكن خلاله الجيش الحكومي وميليشيات حليفة له من السيطرة على حوالى أربعين في المئة من مناطق المعارضة. وقال مبعوث الأممالمتحدة الخاص لسورية ستيفان دي ميستورا أمس إن 30 ألف شخص يتلقون المساعدات بعدما فروا من شرق حلب في الأيام القليلة الماضية ليصل إجمالي النازحين في المدينة إلى 40 ألفاً، مضيفاً إن سورية وروسيا رفضتا طلب الأممالمتحدة وقف القتال موقتاً لإجلاء نحو 400 مريض ومصاب في حاجة للعلاج. أما يان إيغلاند مستشار دي ميستورا للشؤون الإنسانية فقال إن الأممالمتحدة لديها غذاء جاهز يكفي 150 ألف شخص في غرب حلب لكن لا يمكنها حتى الآن الوصول إلى نحو 200 ألف شخص ما زالوا في شرق المدينة. وقال مراسل ل «فرانس برس» إن القذائف كانت تتساقط «كالمطر» أول من أمس في شوارع عدة من القطاع الجنوبي من الأحياء الشرقية، وتقتل من لم ينجح في الاختباء منها. في أحد الأحياء، تسقط قذيفة في شارع تصيب فتاة كانت تسير على الرصيف على بعد أمتار عدة، بجروح بالغة. قُطعت يدها على الفور، وأصيب رأسها بشظايا، وانهارت فاقدة وعيها وقد غطت الدماء وجهها وجسدها. ولم يعد لدى متطوعي «الخوذ البيضاء» الإمكانات الكافية ليهرعوا لإنقاذ المصابين. بعد وقت قصير من إصابة الفتاة، ينجح شبان من الحي بنقل الضحية على دراجة. في وقت لاحق، أبلغت عائلتها «فرانس برس» أن منى (عشر سنوات) توفيت متأثرة بجروحها. وأشار مراسل الوكالة الفرنسية إلى شبه انقطاع تام للكهرباء والإنترنت عن مناطق الفصائل التي تتعرض لقصف عنيف. وحتى الآن، كان المدنيون يحاولون الاحتماء في أماكن آمنة خلال ساعات القصف، لكن حدة الضربات وقلة الملاجئ والتقدم السريع لقوات النظام، أقنعت الآلاف منهم بالفرار، وغالباً ما طاولتهم القذائف وهم يحاولون العبور إلى المنطقة الواقعة تحت سيطرة النظام أو أحياء أخرى في القطاع الجنوبي. ويقول المراسل إنه شاهد خلال الأيام الأخيرة عدداً من الجثث في الشوارع المدمرة التي تحيط بها أبنية منهارة أو مثقوبة بفجوات ضخمة. ففي حي الشعار، يجد الناس صعوبة بالغة في التحرك حتى من أجل الفرار. وقال بعضهم وهم يحملون بعض الحاجيات الموضبة على عجل لمراسل «فرانس برس» أثناء مرورهم بالقرب منه أن «القصف لا يتوقف. الانتقال إلى حي الصاخور أمر مستحيل». وفي شريط فيديو بثه مركز حلب الإعلامي التابع للمعارضة، يمكن رؤية جثث مدماة وأطراف بشرية وأحذية تملأ أحد الشوارع، وسط بقع من الدماء. ويسمع صراخ أطفال فيما تمر صورة جثة وقد قطعت من النصف. ويظهر فتى في الشريط يبكي إلى جانب جثتين إحداها تعود لوالدته. ويقول للكاميرا وهو يجهش بالبكاء: «قصفت المدفعية مرة أولى، ركضنا، ثم رأيت والدتي ميتة». ويقول والده وقد جثا بالقرب من زوجته: «سنخرج بسبب الظلم والقصف الجوي والقذائف ونقص الطعام». ثم يلف الرجل وابنه الجثتين بغطاءين من البلاستيك البرتقالي يزودهما بهما مسعفون في المكان. وأجرت «فرانس برس» أمس تحقيقاً عن النازحين من شرق حلب، أشارت فيه إلى أن فواز الأشعري خسر ابنه وزوجته وعمله، ودمر منزله نتيجة الحرب، فقرر الخروج من حيه في شرق حلب، على غرار ما فعل الآلاف غيره بعد تقدّم الجيش السوري. ويقول الأشعري (56 سنة) ل «فرانس برس» غداة وصوله من حي الصاخور إلى مركز إقامة موقت تابع للحكومة في قرية جبرين شرق حلب: «لقد خسرت ابني البكر، وخسرت عملي وأجزاء من منزلي وهذا يكفي، لا أريد خسارة المزيد». ويضيف الرجل وهو يجلس على الأرض متكئاً على حقيبة سوداء: «لم تعد لي رغبة في الحياة بعدما توفيت زوجتي حزناً على فقدان أكبر أبنائنا أحمد الذي توفي إثر إصابته بشظايا قذيفة سقطت على الحي المجاور في العام الماضي». في باحة مركز الإقامة الموقت، وهو عبارة عن ثلاثة مبان إسمنتية من طابق واحد غير مكتملة البناء وخالية إلا من الفرش والأغطية، يتجمع الفارون من جحيم شرق حلب وبينهم عدد كبير من النساء والأطفال، وينتظرون دورهم لتسجيل أسمائهم والحصول على حصصهم من غذاء وبطانيات وفرش. في إحدى الزوايا، تجلس أم منير (55 سنة) أرضاً وتمد قدميها جراء ألم تشكو منه في ركبتيها. وتستعيد تفاصيل وصولها الاثنين إلى المخيم بعد خروجها من حي مساكن هنانو، أول الأحياء التي استعاد الجيش السيطرة عليها مساء السبت. وتقول أم منير «استغرقت الرحلة (من مساكن هنانو) ست ساعات، هي أطول ساعات حياتي، أمضيتها سيراً وأنا أنتقل من منطقة إلى أخرى وصولاً إلى حواجز الجيش». وتضيف: «لم يكن الطريق خطراً لأن المسلحين هربوا، لكنني كنت قلقة للغاية، خشيت أن أقع على الأرض ولا أجد من يعينني». وتشعر أم منير بالبرد القارس، إلا أنها تقول: «بكل تأكيد، البرد هنا أفضل من وضعنا في مساكن هنانو». قرب مدخل المركز، يجلس عبد اللطيف (56 سنة) مع زوجته وخمسة من أفراد عائلته، يتدفأون حول نار أشعلوها من الصناديق الفارغة للوجبات الغذائية التي تناولوها. ويقول عبداللطيف وقربه حقائب وأغراض أحضرتها العائلة معها من حي الصاخور قبل أيام: «للمرة الأولى أشعر بالدفء منذ ثلاث سنوات بعدما نفدت المحروقات حيث كنت أقطن». 200 منظمة دولية تطلب تحرك الجمعية العامة حضت 200 منظمة مدنية دولية وسورية الجمعية العامة للأمم المتحدة على تطبيق «الاتحاد من أجل السلام» في سورية لإنقاذ مدينة حلب من «كارثة إنسانية»، ذلك بعد فشل مجلس الأمن في القيام بذلك بسبب حق النقض (فيتو) الروسي. وقالت المنظمات، بينها «أفاز» وجمعيات عضو في شبكة إغاثة سورية في الداخل ودول الجوار: «مع السقوط الوشيك لحلب وسط كارثة إنسانية تفوق الوصف، صرحت أكثر من 200 منظمة مجتمع مدني من شتى أنحاء العالم بأن مجلس الأمن فشل في تحمل مسؤوليته بحماية الشعب السوري»، وطالبت الدول الأعضاء في الأممالمتحدة باتخاذ خطوات عاجلة وحقيقية لوقف الفظائع التي ترتكب في حلب وحماية المدنيين. وقال سيمون آدمز وهو المدير التنفيذي للمركز العالمي لمسؤولية الحماية: «حلب على وشك التحول إلى رواندا أو سربرينيتشا أخرى. ونشهد لحظة تراخ عالمي أخرى في مواجهة إبادة بشرية». وأضاف: «في ظل الانسداد المخزي الذي وصل إليه مجلس الأمن، يتعين على الدول الأعضاء في الجمعية العامة أن تمارس سلطتها وتدعو إلى دورة استثنائية طارئة للمطالبة بالوقف الفوري للهجمات على المدنيين ومساءلة مقترفي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سورية». وعلى رغم أن مجلس الأمن يتحمل المسؤولية الأولى عن حفظ السلم والأمن الدوليين، إلا أن الجمعية العامة للأمم المتحدة تتحمل كذلك مسؤولية عن صون السلم والأمن الدوليين بموجب ميثاق المنظمة الدولية. إذ أقرت الجمعية العامة عام 1950 آلية «الاتحاد من أجل السلام»، والتي تتيح للجمعية العامة التوصية باتخاذ إجراء جماعي عندما يفشل مجلس الأمن في تحمل مسؤوليته نتيجة عدم اتفاق كلمة الأعضاء الدائمين. وتزامن إعلان المجتمع المدني هذا مع نتائج دراسة جديدة لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» – أحد الموقعين على الإعلان – كشفت أنه كانت هناك «جرائم حرب مرتكبة في حلب خلال الحملة السورية المدعومة من روسيا في الشهرين الماضيين التي قتلت 440 مدنياً بينهم 90 طفلاً». وقالت إدواردا همان المنسقة في برنامج بناء السلام في معهد إيغارابي بالبرازيل: «الوضع الحالي في حلب هو الاختبار المطلق للنظام الدولي. لا يستطيع أن يتردد مجتمع الدول في ظل الوضع الحالي من عمليات الإجلاء القسري العنيفة من عشرات الآلاف من السوريين. على الدول الأعضاء للأمم المتحدة أن تطبق الاتحاد من أجل السلام في شكل عاجل من أجل وقف مأزق مجلس الأمن ووقف الفظائع في حلب». وكانت المندوبة الأميركية لدى الأممالمتحدة سامنثا باور قالت في مجلس الأمن مساء أول أمس: «يمكن الدول الأعضاء في الأممالمتحدة أن تنظر في إجراءات أخرى في حال قيام روسيا باستخدام الفيتو في مجلس الأمن لمنع مشروع قرار في شأن سورية». وأردفت: «روسيا قد تستخدم مجدداً حق النقض لمنع هذا المجلس من تقديم المساعدة للمدنيين البائسين في شرقي حلب كما فعلت الشهر الماضي، وإذا فعل الروس ذلك فإنه يتعين على الدول الأعضاء أن تنظر بسرعة في الأدوات الأخرى المتاحة في منظومة الأممالمتحدة، بما في ذلك الجمعية العامة بغية أن يكون الضغط أكثر فاعلية».