هذا العالم مملوء بأمور لم تكتب ولم تُقَلْ بعد، فنحكم على الأمور من جانب واحد وعلى الأغلب الجانب الظاهر فقط، كعلاقة القارئ والكاتب مثلاً، فالقارئ يعتقد أن حياة الكاتب مملوءة بالحب والشهرة، بالمادة والحياة المعيشية المرفهة، لا يكون القارئ لا يعلم عن الجانب الآخر، وهو امتهان العزلة، الكاتب الحقيقي يعيش في عزلة دائمة على الأرجح، فالكتابة تتطلب العزلة لساعات ولأيام وقد تكون شهوراً، كي يعيش ما يكتب ويشعر بما يكتب. الكتابة تبعدك أحياناً كثيرة عن الحياة الاجتماعية والمناسبات المهمة، قد لا تعطي الوقت الكافي لعائلتك، أصدقائك المقربين ومعارفك، وقد تبعدك أيضاً عن الحياة، فيمضي بك العمر وتتذكر حياتك الماضية، وكم من لحظات جميلة لم تعشها، وكم من أمور جميلة كان بإمكانك فعلها ولم تفعلها واكتفيت بالكتابة. العزلة تقلل لديك من مهارات التواصل الاجتماعي، قد تمر بك مناسبة ما تشعر حينها أنك نسيت كيف تدير حواراً، وكم من مواضيع كثيرة لم تقلها ولم تسمعها، لأني اكتفيت بكتابتها، قد يمر بك اجتماع مع الأصدقاء فتقول في نفسك: أين كنت من كل ذلك، تنظر إلى نفسك وعقلك مشغول في مقال جديد، أو قصة وأبطال وهميين يعيشون معك. الكتابة ليست سهلة رغم متعتها بالنسبة للكاتب، فهو يعطي من وقته وصحته وجهده كثيراً كي تقرأ كتاباً وأنت تجلس على الأريكة وتحتسي قهوتك، قد لا ينام لساعات وأيام وفهو يضع لمساته على كتابه الجديد الذي ستضعه بجانب وسادتك والذي أغلقته لأنك شعرت بالنعاس، إنها مهنة صعبة لكنها في نهاية كل ذلك هي كل شيء بالنسبة للكاتب، كالهواء الذي تتنفسه الآن!