كنت شاهداً على قصة جميلة في التحفيز على الإنتاج حينما مُنح أحد زملائي فرصة قيادة مشروع يتكون من أكثر من أربعة آلاف عامل ويعاني من تعثر وبطء في سير العمل، الخطوة الجريئة التي قام بها هذا المهندس هي التقدم إلى الإدارة العليا بطلب تخفيض عدد العمالة إلى النصف!!، هذا الإجراء شكَّل صدمة لها بادئ الأمر لا سيما والفكرة المترسخة في أذهانهم هي العلاقة الطردية بين عدد العمالة والإنتاج، إلا أنَّ إصرار هذا القيادي الشاب وتأكيده على أنَّ النجاح سيكون حليفه، هو ما جعلهم يمنحونه الثقة وهم على وجل وشك من نجاحه، ما قام به هذا المهندس بعد هذا التقليص هو أنَّه وضع حافزا مقداره ساعتان إضافيتان (OVERTIME) يومياً للموظفين واشترط عليهم مقداراً معيناً من الإنتاج الأسبوعي ووعدهم أنَّ هذا المقدار من الإنتاج إذا ما انتهى في يوم السبت فستكون إجازتهم الأسبوعية ستة أيام، ما حصل هو أنَّ هؤلاء الموظفين بذلوا جهودا خرافية في الإنتاج واستطاعوا إنهاء أعمالهم في أربعة أيام في الأسبوع ما جعلهم يحصلون على ثلاثة أيام كعطلة نهاية الأسبوع، بالإضافة إلى أجر ساعات إضافية لستة أيام عمل مقابل جهدهم الذي ضاعف الإنتاج ثلاثة أضعاف، هذا القيادي الناجح أوصل رسالة لإدارته مفادها أنَّ النظريات الإدارية المتوارثة لا ينبغي أن تكون أمراً ثابتا لا يقبل التغيير، بل ينبغي أحياناً امتلاك الشجاعة للتمرد عليها وتغييرها. مفهوم (الهندرة) هو مفهوم إداري اشتُق اسمه من دمج كلمتين هما الهندسة والإدارة، ويعود تأسيسه إلى مايكل هامر وجيمس شامبي اللذين عرَّفاها ب (إعادة التفكير المبدئي والأساسي وإعادة تصميم العمليات الإدارية بصفة جذرية، بهدف تحقيق تحسينات جوهرية فائقة – وليست هامشية تدريجية – في معايير الأداء الحاسمة، مثل التكلفة، الجودة، الخدمة والسرعة)، يقول أحد علماء الهندرة (المتفائل يرى الكأس نصف ممتلئة، المتشائم يراها نصف فارغة، المهندر يرى فيها زجاجاً فائضاً عن الحاجة)، أساليب الهندرة كثيرة، أحدها هي خطة (0.5، 1.5، 3)، الرقم (0.5) يعني تقليل التكاليف الإجمالية إلى النصف، الرقم 1.5 يعني زيادة دخل الموظف 50 %، والرقم (3) يعني مضاعفة الإنتاج ثلاثة أضعاف، هذه الأرقام تعني أنَّ القيادي يستطيع تصحيح وضع المنظمة من خلال تقليل عدد موظفيها إلى النصف وبالنتيجة تقليل تكاليف القوة العاملة، وزيادة رواتب الموظفين 50 % من خلال توزيع نسبة من تكلفة العمالة التي خرجت من العمل على الموجودين وبالنتيجة مضاعفة رضا العاملين الموجودين، والرقم ثلاثة يُشير إلى النتيجة وهي مضاعفة الإنتاج إلى ثلاثة أضعاف، بطبيعة الحال فهناك طرق مختلفة للهندرة ولكل شركة معادلتها الخاصة المتناسبة معها، وتبقى الفكرة الأساسية هي مضاعفة الإنتاج من خلال مضاعفة رضا العامل. بلغ إجمالي ما أنفقته الشركات الأمريكية على مفهوم (الهندرة) منذ تأسيسه عام 1992 حتى اليوم ما يزيد على الخمسين مليون دولار أمريكي، هذا المبلغ الكبير يُعبِّر عن قناعة أكيدة من أنَّ تطبيق هذا المفهوم قادر جداً على إنهاء كافة أشكال البطالة المقنَّعة ومضاعفة الإنتاج ومضاعفة رضا العامل من خلال زيادة أجره، هذا المفهوم يناقض تلك الحالة التي تقوم بها نسبة من إداريي الشركات الذين يبحثون عن تصحيح وضع منظماتهم من خلال تقليل أجور العمال أو علاواتهم، هذه الشريحة ينبغي لها أن تعي أن ما تقوم به سيزيد من حنق العامل وبالنتيجة ستتولد لديه نزعة انتقامية يقوم بها بالحد الأدنى من خلال الإهمال والتسيب وتقليل العمل، وهذا ما سيؤدي إلى نتائج سلبية على المنظمة قد تؤدي إلى خسائر تزيد عن المبالغ التي خُصمت من رواتب الموظفين بهدف تقليل التكلفة.