لا أدري ما الذي يُغري الكبار على خداع الأطفال والكذب عليهم، فإنْ كان السبب هو فارق السنّ والنضج العقلي فقريباً سيصبحون كباراً وقد يتفوقون عليهم عقلياً ومعرفياً، وإنْ كان الدافع هو اعتقادهم بأن الطفل سيكبر وسينسى فقد أخطأوا في حقّ أنفسهم وحقّ أطفالهم، ذلك لأنهم تهاونوا في صَوْن هذا الكائن الجميل الذي عهد به الخالق إليهم، ولم يجتهدوا في تربيته وتنشئته لكي يصبح خلقاً صالحاً. إنّني لا أظن الطفل كما قيل: (كالورقة البيضاء تنقش عليها ما شئت)، لأنّ ما ينقش على الورق قابل للشطب أو المسح، وليس كالعجينة يمكن أنْ تشكّلها كما شئتَ -مثلما يحلو لبعضهم أنْ يشبهه- فالعجينة تَيْبَس وتتكسّر، لكنّي أراه كالبلورة النّقية تحتفظ بكل ما يُنقش عليها ويبقى مُخلّداً بخلودها، فيظهر أثر ذلك النّقش في مستقبل حياته على شكل مشاعر تتحول إلى سلوك ثمّ إلى عادة تصبح فيما بعد صفة شخصية ملازمة له، فأنت أيها المربي أُمّاً كنتَ أو أبَاً ستكون وحدَك المسؤول عمّا سيؤول إليه طفلك (إنسان المستقبل). فلا يُغريك خوف طفلك من إبرة الطبيب، أوْ موتِك، فتهدده لكي يُطيعك، ولا تَعِده إنْ هو نفّذ ما طلبتَه منْه أنْ تأخذه في رحلة، أو تشتري له هدية، أو ما شابه ذلك من المغريات، وقدْ بيّتَّ النّية بالكذب عليه، وكنْ صادقاً عندما تحدّثه عن نفسك، فلا تقلْ له مثلاً إنّكَ كنتَ متفوقاً عندما كنتَ في مثل سنّه، والحقيقة غير ذلك. إنّ الصدق مع الطفل سيثمر إنساناً صادقاً وصالحاً، والعكس صحيح، فالخداع والتحايل لنْ يُنتج غير شخص كذّاب ومخادع. ربِ طفلك على الصدق وكأنك تراه وقد غدا إنساناً ناضجاً، فإنّ الصدق يهدي إلى البرّ، وإنّ صلاحه سيعود بالنفع عليه أولاً، ثمّ عليك أنتَ عندما يتقدم بك العُمر وتضعُف قُواك. همسة: حاور طفلك بدل أنْ تخدعه.