بات مؤكدا أن المرحلة المقبلة عالميا هي مرحلة حسم لكثير من الملفات العالقة، النظام العالمي القديم القائم على الهدوء والعقلانية صار يلفظ أنفاسه الأخيرة، نظام عالمي طور التشكل يزيح القديم ليجلس مكانه مع قوانينه ومعادلاته الجديدة. النظام العالمي القديم الذي يترنح حاليا على وقع ميليشيات الدول «المارقة» والاقتصادات المتوحشة المتكسبة بالحروب الباردة والساخنة يقف عاجزا الآن أمام مطالب الحسم والعودة للجذور حتى عند الدول الغربية التي أنتجت هذا النظام على وقع انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. المراقب لاختيارات الشعوب الغربية يلحظ الاتجاه نحو الانغلاق في أوساط كثيرة منه، بدا ذلك مع الفوز المفاجئ مطلع العقد الماضي لجورج هايدر زعيم الحزب اليميني المتشدد في النمسا قبل أن يضطر إلى الانسحاب من تشكيل الحكومة على وقع احتجاجات داخلية وخارجية قادتها الولاياتالمتحدة نفسها على اعتبار أن الفائز يمجد الحقبة النازية (ذلك يثير امتعاض النخب السياسية التي تشكل معاداة السامية لديها خطاً أحمر). بعد ذلك، اقترب اليمين المتطرف في فرنسا من أن يكون قطبا في الانتحابات الفرنسية، ثم جاءت طامة بريطانيا الفعلية بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي في مشهد يؤكد ميل الناخب الغربي بشكل عام إلى الانغلاق على نفسه على وقع التهديدات العالمية المتزايدة من حروب مستعرة تنتج إرهابا يقتضي بالضرورة زيادة نسبة الهجرة من بلدان النزاع إلى البلدان الأكثر أمانا، ثم جاءت طامة ترامب لتؤكد الميل للانغلاق عند العم سام ومعها ميل آخر لحل المشكلات بالقوة والتخلص من أوزارها بتحميل تبعاتها للآخرين. بين القلق عند كل عقلاء العالم من حقبة ترامب المقبلة، وبين التفاؤل العربي بالإرث الجمهوري الذي يمثله ترامب حيث التفاهم أقوى مع الحكومات والحسم أسرع للمشكلات، ينتظر العالم الحقبة الترامبية التي لن تكون أقل من 4 أعوام ولا أظنها إلا أعوام حسم لأزمات وخلق لأخرى وسيكون العالم وأمريكا من الداخل على موعد مع اصطفاف جديد وانقسام كبير بشرت به الوزيرة الخاسرة هيلاري كلنتون في خطاب الهزيمة.