ازدحم التاريخ بالمعارك والحروب في كل الحضارات، ولعب الموت على أوتار الإنسانية، ولعل ما يحدث اليوم في الشرق الأوسط، ليس وليد اليوم، بل له جذور تمتد منذ خلق الإنسان على هذه المعمورة. والحرب التي نتكلم عليها هي نتاج الفهم الخاطئ، والتأويل المنحرف للدين، فيصبح هذا الأخير يلعب دوراً غير الذي وجد لأجله، فالحرب باسم الإله هي أعظم الحروب وأعنفها، سطرها التاريخ بحبر أسود وخطوط حمراء. فما نشهده في ساحات سوريا وفي العراق، أو بالأحرى الاستقطاب العجيب للشباب العربي والغربي على السواء، واستغلاله في عمليات إجرامية وتفجيرات إرهابية وسط المصلين وفي محطات المسافرين وفي التجمعات المكتظة، وتكون هذه – حسب اعتقادهم – في سبيل الإله، هو من أعظم الكوارث التي يجب معالجتها قبل كل قضية أخرى، وهو شأن لا يحتاج إلى التهاون والتأجيل، بقدر ما هو بحاجة إلى السرعة والحزم والتعجيل، وهذه الحرب المقدسة التي تسري اليوم، لها من التاريخ جذور، ومن الفكر نظريات، ومن الواقع تجارة تديرها رؤوس ذات مصالح كتصدير السلاح.. وغيرها.. وبما أن هذه الحرب التي يخرج إطارها من الحرب على الإنسان والإنسانية إلى إعلان الحرب على الله وملكوته، واختراق قوانينه الملكوتية، وهذا حقيقة ما يسمى بالإرهاب.. وقد يتساءل كثير، كيف يكون لهذه التنظيمات الإرهابية أتباع من العامة؟ فنقول له، عندما تصبح الروح فارغة، يكون هناك تعطش للدين، ولا سبيل للقضاء على ذلك الفراغ سوى بشيء من القداسة يرمى على أي قضية، وإذا كانت هذه المؤشرات تدل على شيء، فهي تدل على حالة تعطش ديني عند الشباب، وحالة خواء وفراغ وضياع واستعداد للموت وراء أول صارخ يدعوهم إلى الله، هكذا يجب أن تسمى وتفهم، لا أن نسميها إرهاباً ونكتفي، آن أوان العمل، للخروج من العزلة والتكالب، إلى تعزيز الوحدة؛ لنلقي بالفتنة خارج أوطاننا. يجب أن نتغلب على هؤلاء الذين يدعون للتأسلم، ويجيدون فنونه، ويستغلونه في شؤون غير الشؤون التي كان لزاماً أن يعمل بها، ففي هذا العصر العجيب الذي جمع بين الانحلال المادي وبين الصحوة الروحية والشوق إلى الله، ويكاد يجتمع هذان الوجهان الوجه المادي والوجه الروحي في كل شاب ويتصارعان أحياناً في وعيه وأحياناً في عقله الباطن وتلك هي الشخصية المزدوجة لهذا العصر المتفجر بالتناقضات. ثم ما الذي يسوق الشباب في الغرب وغيره، ممن هم في كفاية معاشية، وبعضهم يعيش ترفاً مادياً، للهجرة إلى ولائم الذبح، وحفلات الرقص على أشلاء الضحايا في بلادنا، والتسابق على الانخراط في وحشية عبثية، تتلذذ بالدم المسفوح، وتتهافت على مغامرات مهووسة في العمليات الانتحارية؟ لم يكن الدين يوماً وسيلة للقتل، وليس الدين الذي نراه اليوم من شكليات تتضمن اللحية وقص الشوارب، أو تقصير الجلابيب، بقدر ما هو خشوع وإيمان دقيق يسمو بنا إلى المحبة والألفة، والدين اليوم بحاجة إلى عقلاء لتحريره من الاغتصاب، وإنقاذه مما انتهى إليه التوظيف المخيف له، كآلة للقتل والإبادة والتدمير، وإعادته إلى مهمته الأصيلة في الحياة البشرية، ووضعه في نصابه الحقيقي، وتحرير البحث في الدين من الاتجاهات المغالية في التعاطي معه نفياً وإثباتاً.