يقول الدكتور مصطفي محمود -رحمه الله- في كتابه (نار تحت الرماد) قبل سنوات كثيرة وكأنه يقرأ ما يدور حولنا من أحداث: "أشعر أحيانًا أن تحت أقدامنا فتيل قنبلة دينية زمنية، وأن النار تسرح في الفتيل، وأن القنبلة وشيكة الانفجار.. وأننا في أشد الحاجة إلى طلائع لترشيد هذا الحماس الديني وتنويره حتى يأتي التحوّل بإصلاح وليس بموجات جديدة من الجرائم.." ويؤكد في هذا الكتاب النبوءة.. أن "المتعصّبين من جميع الأديان ليسوا في الواقع على دين سوى دين نفوسهم.. فهم عابدون لذواتهم، ولتصوراتهم الشخصية، وليس لله الواحد الداعي إلى التواضع". *** ويرى د. مصطفى محمود أن ظاهرة التطرّف الدينى تكاد تكتسح العالم كله اليوم، ظهر منها في مصر (آنذاك) جماعة التكفير والهجرة.. وشاهدنا ما فعله زعيمها بالمئات من أتباعه الذين كرسوا أنفسهم له حتى الموت، وحتى الجريمة. وهي مؤشرات رأى فيها د. مصطفى محمود دلالة على حالة تعطش ديني عند الشباب، وحالة خواء وفراغ وضياع واستعداد للموت، وراء أول صاروخ فى برية يدعوهم إلى الله. وهي ظاهرة لم تقتصر على عالمنا العربي والإسلامي وإنما تفشّت، كما يقول د. مصطفى محمود في كتابه، في العديد من بقاع العالم: * فى لندن ظهر في شوارعها أتباع الزعيم الروحى الصوفي الهندي المهاريشي ماهيشي الذي غطت شوارع لندن أفيشات كبيرة من محاضراته وكان الشباب يحجزون إلى هذه المحاضرات زرافات بالتعطش الذي يسعون به إلى ملاعب الكرة، وقد أطالوا ذقونهم وأظافرهم وعلّقوا المسابح فى رقابهم وقد سمعنا عن النبي الجديد -المزعوم- مون وما فعله في أوروبا. * وفي الولاياتالمتحدة كان هناك أليجا محمد الذي جمع حوله طائفة من أقوى الطوائف الإسلامية في أمريكا. * وهكذا وفي بقاع مختلفة من العالم نجد مثل هذه الظواهر حيث نرى رجلاً يصرخ داعيًا إلى الله فيجتمع حوله الألوف من الشباب فى طاعة وبراءة الأطفال. *** هؤلاء، كما يراهم د. مصطفى محمود، هم طلائع المسيخ الدجال في عصر عجيب جمع بين الانحلال والعهر المادي؛ وبين الصحوة الروحية والشوق إلى الله، ويكاد يجتمع هذان الوجهان الوجه المادي والوجه الروحي في كل شاب ويتصارعان أحيانًا في وعيه، وأحيانًا في عقله الباطن. وتلك هي الشخصية المزدوجة لهذا العصر المتفجر بالتناقضات. والخيط دائمًا رفيع جدًّا بين أهل الله وأهل الشيطان، خاصة إذا تلثم أهل الشيطان باللثام الديني واتخذوا المصاحف والأناجيل شعارًا ودعوة إلى الله، وإلى الفضيلة والتقوى، والفارق دائمًا هي تلك النبرة الحادة وذلك الميل إلى التعصب. والمتعصبون من جميع الأديان ليسوا في الواقع على دين سوى دين نفوسهم.. فهم عابدون لذواتهم ولتصوراتهم الشخصية، وليس لله الواحد الداعي إلى التواضع، لذا فإنهم أقرب إلى الشياطين منهم إلى العباد. لا همّ لهم إلاّ تحقيق أهدافهم ولو على حساب الوطن وإنسانه. لكنهم إن شاء الله أول من يكتوي بالنار التي يشعلونها لأنها ستحرقهم قبل أن تحرق أو تدمر غيرهم.. فمن يزرع الشوك لن يحصد سوى الجراح! * نافذة صغيرة: (لو يعلم الجهلاءُ رحمة ديننا لتسابقوا في البر والرحماتِ لم يشهد التاريخُ يومًا أمةً جمعتْ حشودَ الحقِ في لحظاتِ لم تشهد الدنيا جموعًا سافرت عبرت حدود الأرضِ والسمواتِ لكنه الإسلامُ وحد بينهم فتسابقوا للهِ فى عرفاتِ هذا هو الإسلامُ دين محبةٍ رغمَ اختلافِ الجاهِ والدرجاتِ).. فاروق جويدة [email protected]