منذ أن ظهرت النظريات التي تناولت المصادر الإعلامية في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي بالولايات المتحدةالأمريكية باتت الحاجة ملحة لتوفير بنية معرفية تعتمد على تقسيم تحليلي يؤكد قيمة الإعلام كفلسفة وحرفة وعلم وتخصص، فنجد أن كل الحضارات القديمة والحديثة تضمنت مفرداتها اللغوية واللفظية والخطابية، الأمر الذي يُؤكد أن فلسفية الإعلام، بالإضافة إلى فنيات التحريك لما يحدث في المجتمع لأي نشاط كان باستخدام وسيلة الصحافة أو الإذاعة أو التلفزة أو الإعلام الإلكتروني والوسائل التكنولوجية الحديثة الأخرى؛ للتأكيد بأن الإعلام نشاط عملي حرفي يؤثر على الطبيعة المجتمعية ويؤثر فيها، وكذلك سَن ضوابط وقواعد تحمل بعض الثبات النسبي في تفسير وتحليل الأداء الإعلامي في هذا المجتمع أو ذاك انطلاقاً من مفهوم الإعلام الفلسفي في اتجاه الإعلام كممارسة في صور متجددة تؤكد أن الإعلام علم عميق المعرفة وتخصص دقيق يعتمد على تميز حرفي وفلسفة أدبية ذات عمق حضاري وتاريخي. فقد تطور الإعلام من سيادة الرسالة كما هو حال الحضارات السابقة، إلى طغيان الوسيلة في المجتمع التكنولوجي، وهو ما أثر بدوره على طبيعة التخصص، الحاصل أن الإعلام كعلم – وهو ما نود التركيز عليه – حديث النشأة، فقد ظهر كعلم أكاديمي بارز بعد الحرب العالمية الأولى في أميركا. وقد ظهر في فترة ما بين الحربين نخبة من الرواد الإعلاميين الذين أرسوا بأبحاثهم المتميزة أسس التخصص، وبدأ التكوين الإعلامي في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية متأثراً بالنموذج الأمريكي إن صح هذا التعبير ثم ظهر هذا التخصص في بعض البلدان النامية ابتداءً من الستينيات والسبعينيات من هذا القرن متأثراً بهذا النموذج أو ذاك. وقد انتظم العمل الإعلامي في عديد من المحاور الأكاديمية وانتقل من مجرد فلسفة إلى فن وعلم تطبيقي أكاديمي في عديد من التخصصات الإعلامية بل وأصبح هنالك عديد من الجامعات والكليات المتخصصة في العمل الإعلامي في عالمنا العربي والعالم الدولي، ففسحت المجال واسعاً لكثير من التخصصات الإعلامية كالتحرير الصحفي والإذاعي والتلفزي والاتصال» العلاقات العامة سابقًا» وإدارة السمعة والبحوث والتسويق الإعلام ي وعديد من التخصصات التي تؤكد حرفية وفن العلم الإعلامي وأهمية وجوده بشكل أكاديمي في مختلف أنشطة حياتنا المختلفة. إن ما أحدثته الثورة التقنية المعرفية (المعلوماتية)، وتلك التطورات الهائلة في الأوساط الثقافية والاجتماعية التي أدت لإعادة إنتاج مفاهيم إعلامية تغيرت ذاتيًا من خلال إعادة التأصيل لتقديم صورة علمية جديدة تحل محل تلك التي ظلت معتمدة لعقود مديدة من الزمن، وما زال التطوير لتلك المفاهيم واردًا ما دمنا في مرحلة التأصيل الفكري الذي لا سقف له زمنياً. وإذا تتبعنا أساس تلك التحوّلات التي تدفع في اتجاه إعادة بناء تلك المفاهيم الإعلامية والتغييرات الدائمة في فلسفته، الذي دائماً ما يعتمد على عناصر متغيرة أساسية، هي: الوسائل، والجمهور، والبيئة المحيطة بالواقع الإعلامي والتي تحمل التغيير الفكري والثقافي والاجتماعي المستمر بصورة جذرية، وارتباط تلك العناصر بالأدوات التقنية وما يحدثه الحراك التقني الكبير والعلاقة المقاربة وصلة المقاربة بين العمل الإعلامي التقليدي وإعلام الشبكات وما أحدثه هذا الارتباط من تحوّل ذي مضمون قيمي، ثقافي واجتماعي، وبالضرورة سياسي أيضاً، بالإضافة لمسارها التاريخي البعيد، فإن الوسائل الإعلامية هنا قد تحوّلت في سياق ثورة قيمية، حملت مضمونها ورسالتها، وتجلت فيها، وعبرت عنها، وبشرت بها والتي أثرت على المفاهيم البيئية، المعتمد في الأدبيات الإعلامية، ليحمل أبعاداً مرتبطة بعوامل التغيير التنموي وتخلق نوعاً من التحديات السياسية والاجتماعية والاتصالية، وقضايا ذات العلاقة بالأمن القومي ليكون منسجماً مع الواقع العام، ومستجيباً لتلك التطورات الكبيرة والتحولات العميقة في مجالات الحياة المعاصرة التي تشكل بمجملها معطيات تنعكس على حركة المجتمع المادية والفكرية، والأخلاقية. ومن الطبيعي أن تعزز تلك المتغيرات الإعلامية الكبيرة عديداً من التغيرات الاجتماعية سواء كانت تلك التغيرات ذات اتجاه سلبي أو إيجابي. فارتباط مفهوم التغيرات الاجتماعية التي أحدثتها ثورة وسائل الإعلام الحديثة على البناء الاجتماعي من خلال الوقوف على التأثيرات التي شملت الجوانب الاجتماعية في المجتمع السعودي وهذا ما يتطلب منا مد يد العون لكل المعنيين للأخذ بيد ممارسي الإعلام الجدد وطلاب الجامعات المتخصصين في مجالات الإعلام إلى حيث يكون تطوّره ونضوجه. وهذه رسالة سامية، بأن يلمّ بالنظريات المتداولة، وأن يدرك التحوّلات الكبرى التي طرأت على فروع المعرفة ذات الصلة باختصاصه، وأن يجعل من الممارسة سلوكاً يومياً من لحظة دخوله المجال الإعلامي المتطور. وإن لم يحدث ذلك فإن كافة مخرجاته بعيدة وليست ذات صلة بالواقع وضروراته وتحولاته.