أشارت التوصيات الصادرة عن المؤتمر الدولي الخامس عشر للفلسفة الإسلامية الذي نظمته كلية دار العلوم في جامعة القاهرة أخيراً إلى أن التفاعل بين الحضارات يمثل سبيلاً من أعظم السبل لتحقيق التكامل والإخوة الإنسانية والتقارب بين الشعوب والإسلام، بما فيه من ملاءمة للفطرة، وبما تتسم به رسالته من صفة العالمية، يؤكد هذا الاتجاه وهو يدعو، في عرض رسالته، إلى التزام الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، ما يفتح الباب واسعاً للحوار الهادئ العقلاني طلباً للحق والخير ودفعاً لسوء الفهم الذي أصبح يعم العالم ويهدد مستقبله وينذر بسوء المصير. وأكد البيان أن الفكر الإسلامي يرفض ما ظهر من نظريات تتحدث عن صراع الحضارات ونهاية التاريخ، ونحوها من النظريات التي تؤدي إلى القطيعة والعداء، ونشر المفاهيم العنصرية والعصبية. كما أوضحت البحوث التي نوقشت خلال جلسات المؤتمر أن التفاعل بين الحضارات عموماً، وبين الفكر الإسلامي والفكر الغربي بخاصة، لا يعني ذوبان حضارة في حضارة أخرى، كما لا يعني إحداث قطيعة معرفية مع الموروث الحضاري لكل حضارة، بل إن هذا التفاعل مشروط بأن يتم في جو من الاحترام المتبادل بين الحضارات وما تنتجه من فكر، كي يكون ذلك باعثاً على التكامل الإيجابي الذي يُغني التجربة الإنسانية ويساعد الحضارات على التخلص مما قد يشوبها، في بعض جوانبها، من تخلف أو قصور. ولاحظ المشاركون، أن العالم الإسلامي يقوم بنصيب قليل من التفاعل المؤثر في العلاقة بينه وبين العالم الغربي، الأمر الذي يدفعه إلى بذل مزيد من الجهد للقيام بدور مناسب وأن ذلك لن يتأتى إلا ببذل مزيد من الجهد من خلال الاهتمام بالعلم والبحث العلمي وزيادة البعثات العلمية للخارج، وألا تقتصر الجهود على الحكومات، بل ينبغي أن تمتد إلى الجامعات والمراكز العلمية، والمؤتمرات ومؤسسات المجتمع المدني. فعاليات المؤتمر عُقدت تحت عنوان «آفاق التفاعل بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي» برئاسة عميد الكلية الدكتور محمد صالح توفيق وبمشاركة نُخبة من الباحثين العرب وعلماء الفلسفة الإسلامية من: مصر وألمانيا والأردن والسعودية واليمن والكويت وماليزيا والسودان والعراق والإمارات وليبيا وقطر، وإندونيسيا والبحرين وسورية وتركيا. وتوزعت على محاور عدة من أهمها: التفاعل الفكري مع الثقافة الإغريقية، ومع ما قبل عصر النهضة الغربية، ومع العصر الحديث، وأخيراً مع العصر الحاضر، ويُعد من أهم المحاور أهمية، إذ حاز اهتمام كثير من الدراسات والأبحاث من أجل الخروج بنتائج عملية لتفعيل الحوار مع العالم الغربي. وزير الأوقاف المصري الدكتور محمود حمدي زقزوق أشار في كلمته في الجلسة الافتتاحية إلى أن «التفاعل مع فكر الآخرين من شأنه أن يُثري الثقافة، ويُجدد الفكر بما يضيفه إلى ثقافة الآخرين وعلومهم. وقد أدرك المسلمون هذه الحقيقة في وقت مبكر، وأظهروا اهتماماً واضحاً بالتفاعل مع الثقافات الأخرى. ومن المعروف أنهم عندما شرعوا في بناء حضارتهم استفادوا من تراث الحضارات الأخرى شرقاً وغرباً». ولفت زقزوق إلى «أننا لا نزال في حاجة ماسة إلى إعادة النظر في توجهاتنا الفكرية، وينبغي أن نكف عن التصنيفات غير المبررة، والتي تأخذ عناوين قد تكون مقبولة إعلامياً، ولكنها من الناحية العلمية لا تُعبر بدقة ولا بموضوعية عن الواقع، مثل فكر رجعي أو تراثي أو تقليدي أو تقدمي أو حضاري. فقد أثبتت التطورات التي طرأت على المعسكر الشرقي أن ما كان يسمى الفكر التقدمي أصبح الآن فكراً رجعياً متحفياً مُتخلفاً». وأضاف أن «التعددية في الاتجاهات الفكرية والتفاعل بينها أمر مطلوب لتحريك طاقات المجتمع نحو الأفضل دائماً، ولا ينبغي أن ينفصل الفكر عن المجتمع ويتجاهل مقوماته التي تعطي لكل مجتمع هويته المتميزة وشخصيته المستقلة». بينما أكد مقرر المؤتمر رئيس قسم الفلسفة الإسلامية الدكتور محمد عبدالله الشرقاوي في كلمته أن «حركة التفاعل بين الفكر الإسلامي والغربي يفوق تأثيرها العالم الإسلامي والفكر الغربي، ليشمل الإنسانية كلها، وأننا نسعى إلى دراسة ماضي هذا التفاعل وحاضره لكي نستكشف آفاقاً إيجابية جديدة وفاعلة ترشد حركة هذا الفكر في المستقبل لمصلحة العالمين الإسلامي والغربي بل ولمصلحة البشرية كلها». وفى تصريح خاص الى «الحياة» أشار الدكتور محمد صالح توفيق إلى أن الوفد الألماني المشارك في المؤتمر عبر عن رغبته في تحقيق مزيد من التعاون العلمي مع قسم الفلسفة الإسلامية، واقترح أعضاؤه عقد لقاءات، وتنظيم جلسات للتفاهم والتشاور والتخطيط لما ينبغي عمله في المستقبل لدعم هذا التعاون الفكري والثقافي. وناقش المشاركون خلال جلسات المؤتمر السبع نحو أربعين بحثاً علمياً، إذ أشار الدكتور السماني النصري أحمد من السودان في دراسته (القواسم المشتركة بين الفكر الإسلامي والغربي) إلى أن أحدث الحوارات الدائرة الآن تتعلق بمدى صلاحية الفكر الإنساني بأكمله وقدرته على تغيير واقع البشر، وتحقيق الرفاهية للإنسان، وأن الفكر الإسلامي المعاصر تتقاذفه تيارات الإصلاح والجمود، وتتأرجح قيمه الفكرية بين التجديد والمحافظة، ما خلق درجة من التوتر انعكست على إنتاجنا الفكري والعلمي، ويمكننا أن نأخذ قيم العدالة الاجتماعية والتقدم العلمي والفكري الغربي من أجل إعادة إنتاج فكر إسلامي متوافق مع حركة التطور. وعن «إشكالية القدم والحدوث بين ابن رشد وكانط» أوضح الدكتور أشرف منصور، من جامعة الإسكندرية، أن خيار القدم لدى ابن رشد أكثر اتساقاً ومعقولية من رفض كانط للإشكالية برمتها، فخيار القدم تفرضه نظرية كانط في المعرفة، إذ تثبت هذه النظرية أن العالم قديم بالفعل لكن بالنسبة الى الوعي البشري فقط ويتمثل النقد الكانطي في القول إن ما يأخذه الوعي على أنه قدم العالم لا يحق له أن يوسعه بالقول إن قديم بذاته، وذلك على أساس فصل كانط بين عالم الظواهر وعالم الأشياء في ذاتها، وهو ما يقابل عالم الشهادة وعالم الغيب في الفكر الإسلامي، وقد انتُقدت هذه الدراسة لميلها إلى التأصيل النظري، وفي دراسته (فلسفة الفكر التنموي بين الغرب والإسلام) أوضح الدكتور مستور إسماعيل من جامعة عمر المختار (ليبيا) أنه في ظل الهيمنة الليبرالية على طرح موضوع التنمية، ظهرت منذ السبعينات محاولات لبعض المفكرين الإسلاميين لتحديد مفهوم جديد للتنمية، من خلال الرؤية الإسلامية للاقتصاد. غلب عليها عدم حداثتها وعدم اختلافها الجوهري عن النموذج الليبرالي، فكانت مفاهيم التنمية المطروحة ليبرالية البناء والهدف في إطار قيمي إسلامي، ما أفقد الفكر الإسلامي تمكنه من فهم الإرث الفكري في أدبيات التنمية، وكانت أيضاً محاولة اكتشاف بديل لمواجهة أطروحات التنمية المهيمنة قاصرة، واقتصر مستور على تناول المعوقات الخارجية لقضية التنمية من دون التطرق إلى المعوقات الداخلية. ومن كلية جوتنجين (ألمانيا) تناولت ايرينا شنايدر (نشأة المجتمع المدني للمهاجرين المنحدرين من الدول الإسلامية بألمانيا ودور الإسلام في المجتمع العلماني الألماني) وذلك من خلال الإجابة عن التساؤلات التالية: من هم المهاجرون المنحدرون من الدول الإسلامية؟ ما المشاكل المتميزة التي يراها هؤلاء؟ كيف ينظمون أنفسهم؟ هل يمكن الحديث عن مجتمع مدني إسلامي في ألمانيا؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فما أهدافه وآفاقه؟ ما رد فعل المجتمع الألماني تجاهه؟ وفى دراسته عن (الفكر الإسلامي والاستشراق الجديد) يسعى الدكتور عبدالملك منصور من اليمن إلى إيضاح المعالم للعلاقة الحوارية المتبادلة بين الفكر الإسلامي في نهضته الحديثة، وبين الاستشراق في مخاض تحولاته وتطوره إلى الاستشراق الجديد الذي صارت الولاياتالمتحدة الأميركية مركزه الأساسي، وذلك من خلال تناول المحاور التالية: معالم وخصائص الاستشراق الحديث عبر قرن من الزمان، نماذج من رؤية الفكر الإسلامي للاستشراق الجديد: محمد حسين، حامد ربيع، إدوارد سعيد، أنور عبد الملك، مصطفى السباعي، التوظيف الموصول والقطيعة المستبدة: بين توظيف الاستعمار الجديد للاستشراق الجديد وإهدار الدولة المستبدة للفكر المقاوم، من الدعوة إلى الاستغراب المضاد إلى الرؤية الإنسانية الجامعة والعادلة: بين حسن حنفي والمسيري. ومن ماليزيا تناول الدكتور عمار بن عبدالله ناصح «أثر الفلسفة على القطعية والظنية للمنهج الاستدلالي الأصولي - الرازي والشاطبي نموذجين»، موضحاً أن خاصية منهجية الاستقراء عند الشاطبي مغايرة لما عند ابن حزم وابن رشد، ليس كما أورد الدكتور محمد عابد الجابري، إذ مازج بين الاستقراء الفلسفي وبين التواتر المعنوي وهو مصطلح إسلامي، كما قدم ناصح تجربته في الاستفادة من منهج الشاطبي وتفعيلها في واقعنا اليوم من حيث استخدام الاستقراء في الفروع الفقهية فحصر عدم جواز الاختلاف في مسائل الإجماع وهي قليلة ونادرة في الفقه الإسلامي، ما يجعل الاختلاف مسوغاً في كل المسائل الفقهية حتى في المسائل التي قُصد بها حفظ مقاصد التشريع في الباب الفقهي الواحد، وطُبق ذلك على باب الجهاد. وعن «الاستشراق اليهودي ونظرية الحرب العادلة» أوضحت الدكتورة هدى درويش من جامعة الزقازيق أن هذه النظرية مفهوم يجري استخدامه لإضفاء شرعية على الحرب والعدوان ولتضليل الرأي العام وكسب تأييده ضد أية انتهاكات للحقوق الإنسانية، وطرحت درويش تساؤلات عدة: هل الحرب العادلة ذريعة ابتدعها الأقوياء كمبرر للعدوان على الآخر؟ ومن الذي يمتلك الحق في شنها ضد الآخرين؟ وتحت أي مبرر يمكن إعلانها؟ وهل هي حرب تقليدية أم أن وسائلها تتنوع وتختلف لتشمل حرباً ثقافية وفكرية وأخرى اقتصادية؟ وما هو دور المستشرقين اليهود في الترويج لها؟ وهل تمثل بُعداً جدلياً في الفكر اليهودي أم أن لها عمقاً في التراث الديني ذاته؟ ومن تركيا استعرض كل من الدكتور يوسف دوغان، وفاضل يوزغات «ظهور التيار المُحافظ في العالم وتطوره وتجربته في تركيا» وذلك من خلال إلقاء الضوء على الفكر الإسلامي وامتزاجه بالفكر الغربي وبالتطور والحداثة، وضرورة دراسة ارتباط المفاهيم والأوامر الإسلامية بفن التفكير، وأيضاً الارتباط بالنظام المحافظ في الغرب، هذا إضافة إلى توضيح المفاهيم الغربية التي قد تُستفاد من فكرة الحرية التي لم تُدرك أنها تشبه وصفة الخلاص الطبية وأنها يمكن أن يستخدمها النظام المحافظ وذلك من أجل عيش المسلمين حياتهم بموجب اعتقادهم وأنه يمكن لهم أن يصنعوا سياستهم مع تلك الهوية.