تطلع السياسي اللبناني البارز، سعد الحريري، إلى تشكيل حكومة وفاق وطني تتخطى الانقسام السياسي، مبرزاً سعيه إلى الشروع في المشاورات مع السياسيين بعدما كلَّفه الرئيس، ميشال عون، برئاسة الوزراء. واعتبر الحريري، وهو رئيس وزراء أسبق وزعيم تيار «المستقبل»، أن من «حق اللبنانيين علينا أن نشرع سريعاً في العمل لنحمي وطننا من النيران المشتعلة من حوله ونحصِّن مناعته في وجه الإرهاب ونوفِّر له مستلزمات مواجهة أعباء النزوح»، في إشارةٍ إلى أكثر من مليون سوري لجأوا إلى بلاده منذ بدء النزاع في بلادهم في 2011. ووفقاً لوكالة «فرانس برس»؛ يأتي التكليف بتشكيل الحكومة في وقتٍ يعيش فيه لبنان انقساماتٍ سياسيةٍ حادة قد تقف عائقاً أمام تنفيذ الحريري (46 عاماً) مهمته خصوصاً لناحية الخصومة الطويلة مع حزب الله المصنَّف إرهابياً في دولٍ عربية وغربية عدَّة. وجاء التكليف في إطار تسوية وافقت عليها غالبية الأطراف السياسية في البلاد، وتضمنت انتخاب عون (81 عاماً) رئيساً وتسمية زعيم تيار «المستقبل» لتشكيل الحكومة، لكن حزب الله كان أبرز الممتنعين عن هذه التسمية. ورأى محللون، تحدثوا إلى «فرانس برس»، أن زعيم «المستقبل» سيواجه مهمةً صعبةً لتشكيل الحكومة نظراً لعدم تجانس المكونات السياسية وسط انقسامات حادة داخلية حول النزاع السوري. وأجرى عون، الذي انتُخِبَ الإثنين الماضي، استشاراتٍ نيابيةٍ ملزِمةٍ يومي الأربعاء والخميس؛ إذ ينص عليها الدستور للوقوف على رأي النواب في رئيس الحكومة الجديد. وتلا مدير عام رئاسة الجمهورية، أنطوان شقير، بياناً صادراً أمس جاء فيه «استدعى فخامة الرئيس عند الساعة ال 12 من ظهر اليوم دولة الرئيس سعد الدين الحريري لتكليفه تشكيل الحكومة». وإثر تكليفه؛ شكَر الحريري في كلمةٍ قصيرةٍ في القصر الرئاسي كافة الكتل النيابية «بما فيها تلك التي امتنعت عن تسميتي». وشدد: «أتطلع الآن للشروع في الاستشارات لتشكيل حكومة وفاق وطني تتخطى الانقسام السياسي بشكل سريع»، علماً أن 112 نائباً في البرلمان من أصل 126 سمّوه لرئاسة الوزراء، وفق ما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية في بيروت. ويضم البرلمان 128 نائباً، لكن أحدهم استقال منذ أشهر، فيما ترك عون مقعده النيابي بعد انتخابه رئيساً. ويعد تشكيل الحكومة في لبنان مهمةً صعبةً للغاية تتطلب وقتاً طويلاً يصل أحياناً إلى 10 أشهر. وعادةً ما تختلف الأطراف السياسية على توزيع الوزارات السيادية (الخارجية والداخلية والدفاع والمالية) وتحتاج وقتاً إلى تقسيمها فيما بينها، وفق ما قال رئيس قسم العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت، هلال خشان. وهذه هي المرة الثانية التي يتولى فيها الحريري رئاسة الوزراء. وكانت المرة الأولى بين عامي 2009 و2011 حين ترأس حكومة وحدة وطنية ضمَّت معظم الأطراف، وأسقطها حزب الله وحلفاؤه وعون بسحب وزرائهم منها. ومنذ اغتيال رئيس الحكومة الأسبق، رفيق الحريري، في عام 2005؛ دخل نجله سعد معترك السياسة ووجد نفسه في مواجهة حزب الله حليف دمشق التي يتهمها بالوقوف وراء اغتيال والده. وبعد إسقاط حكومته في 2011؛ تصاعد التوتر بينه وبين حزب الله على خلفية تدخل الأخير في سوريا وقتاله إلى جانب نظام بشار الأسد الذي يصفه ب «القاتل». واعتبر خشان أن التحدي الأول أمام رئيس الحكومة هو أن يتضمن بيانه الوزاري الإشارة إلى ما يسميها حزب الله «مقاومته» ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما لن يتقبله جمهور الحريري الرافض لمشاركة الحزب في الحرب في سوريا. وقبل أيام؛ كتبت مديرة مركز «كارنيغي» للشرق الأوسط، مها يحيى، أن الحريري سيواجه «مطبات» عدة أحدها «حين تصوغ الحكومة بيانها الوزاري الذي يتعيَّن عليه أن يُبدي توافقاً حيال مسائل وطنية مهمة، من بينها دور حزب الله في سوريا وتمويل المحكمة الدولية» المكلَّفة بالنظر في اغتيال رفيق الحريري «بالإضافة إلى إمكانية احتواء خطاب حزب الله العدائي» ضد الخليج. وأنشئت المحكمة الخاصة بلبنان في 2009، لكن حزب الله رفض أي تعاون معها وزعم أنها «أداة إسرائيلية أمريكية لاستهدافه»، رافضاً تسليمها المتهمين الذين صدرت بحقهم في 2011 مذكرات توقيف دولية، نافيا أي علاقة له بقتل رفيق الحريري. وتوقَّع هلال خشان ألا يتغير الوضع في لبنان كثيراً، إذ «سيبقى مهتزاً». بينما بدا حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، أكثر تفاؤلاً إزاء التغييرات السياسية. واعتبر خلال مؤتمرٍ للمصارف في بيروت أن «انتخاب ميشال عون سيعيد الحركة الطبيعية للمؤسسات الدستورية، ما يعني زيادة الثقة في الاقتصاد». أما تشكيل الحكومة فسيساعد، وفق قوله، على «جذب المساعدات الأجنبية وتخفيف تكاليف الوجود (اللجوء) السوري في لبنان، التي نُقدِّرها ب 5 %من الناتج المحلي الإجمالي».