في ظهوره التليفزيوني الأول مع الإعلامي تركي الدخيل أعلن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد تفاصيل رؤية المملكة (2030) التي كان من أهم معالمها التوجه في الاستثمار غير النفطي، والتنوع في المجالات التي تحقق عوائد مجزية تستهدف (4 تريليونات دولار) عام 2030 تفك قيدنا من حصار الاستثمار الأوحد (البترول) الذي يخضع لتقلبات أسعار تؤثر على اقتصاد ونمط حياة المجتمع السعودي؛ حيث يتموج صعودا وهبوطا بناء على سياسات تدار من قوى خارجية لا تريد لنا الخير، هنا تنفس كثير منا الصعداء! لعل من أهم بنود الرؤية محور حديثي هو برنامج (التحول الرقمي) باستثمار الإمكانات المتاحة لتحويل المملكة لمجتمع الحكومة والمدن الرقمية الذكية، وبالذات في مجالات الصحة والتعليم والأمن والسلامة والنظام المصرفي والمواصلات، وفتح المجال لصناعات متقدمة وابتكارات متطورة في عالم التكنولوجيا. بناء على ذلك وجب البدء في تطوير مواردنا البشرية؛ حيث يقع عليهم الثقل الأكبر في برنامج التحول الوطني، بحيث يتم تهيئتهم منذ الصغر بوضع مناهج متطورة ذكية تحاكي العصر الحديث واستغلال قدوم شركات متطورة في هذا المجال بوضع خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى لخلق مجتمع سعودي ماهر ومبتكر ومؤهل للعمل بكفاءة ومرونة واستغلال الفرص المتاحة في سوق العمل التي ستتاح من خلال البرنامج؛ حيث توقعت جهات متخصصة في هذا المجال توفر ما لا يقل عن ثلاثة ملايين فرصة وظيفية في القريب العاجل وخمسة ملايين تقريبا بحلول عام (2030) وهو ما سيضاعف الناتج المحلي الإجمالي بنمو (3 تريليونات ريال) ورفع دخل الأسرة بما لا يقل عن 50 % وارتفاع الكفاءة التشغيلية بنسب عالية تضاهي مثيلاتها في الدول الكبرى. والاستثمار في تهيئة البنية التحتية لخطة التحول الرقمي تتطلب ضخ سيولة عالية من شركات الاتصالات والتقنية وجهات أخرى؛ لتوفير الحوسبة السحابية ومراكز البيانات المدارة والتقنيات المتطورة والحلول المتكاملة عبر توسيع شبكات النطاق العريض بالألياف الزجاجية السريعة لجميع المناطق المستهدفة ضمن الخطة، يضاف إلى ذلك أن تطوير شبكات الجيل الخامس سيدعم إنترنت الأشياء (Internet Of Things) وهي التقنية التي تعني ربط كل شيء بالإنترنت؛ أي دمج (أشخاص وعمليات وبيانات) معاً لتحقيق تواصل شبكي أكثر قيمة لتحويل المعلومات إلى أفعال للابتكار وتسريع إنجاز الأعمال وتقليل النفقات؛ حيث يقدر عدد الأشياء المربوطة حالياً ب 15 ملياراً، تصعد إلى 50 ملياراً عام 2020، و500 مليار 2030م، باستثمار يبلغ (19 تريليون دولار) فرص متاحة للحكومات والشركات حول العالم خلال العشر سنوات المقبلة. تباشير الخير ابتدأت، وما زيارات سمو الأمير محمد بن سلمان المكوكية لأمريكا وتوقيعه عقوداً مع شركات رائدة وضليعة في عالم التكنولوجيا والاتصالات مثل (وادي السيليكون) و(مايكروسوفت) و(أوبر) وأخرى إلا دليل واضح لفتح المجال لهذه الكينونات من العمل في المملكة، وتطوير البنية التحتية والأنظمة وبرامج التشغيل ورأس المال البشري، وهذا كله سيسهم في وضع عملية الابتكار والتطبيقات حيز التنفيذ في قطاعات الرعاية الصحية وتجارة التجزئة والصناعة والتعليم والاتصالات وبقية الأجهزة الحكومية والشركات الكبيرة، وسيدعم تطور الشركات المتوسطة والصغرى للنمو والإبداع وكفاءة التشغيل وخفض المصاريف التشغيلية. والترجمة الأمثل لخطة التحول الرقمي تتجسد في إعلان إطلاق صندوق (سوفت بانك)، وهو الصندوق الأكبر على مستوى التكنولوجيا عالميا بقيمة (100 مليار دولار) في اتفاق ما بين قائد رؤية التحول الوطني الطموح سمو الأمير محمد بن سلمان وأخطبوط التكنولوجيا العالمية الملياردير الياباني (ماسا يوشي سون) مالك شركة سوفت بانك الرائدة في سوق التكنولوجيا والاتصالات، والمالكة لأغلب ملكية (فودافون اليابان)، والداعم لمجموعة (علي بابا) الصينية، وتمتلك فيها 32 %، واستحوذت مؤخراَ على ثالث أكبر شركة اتصالات في أمريكا (سبرنت)، وإضافة إلى ذلك استحواذها على شركة تصميم الرقائق البريطانية (آرم). علينا أن نعتبر هذه الاتفاقية اندماجاً للعقول؛ حيث إن المملكة ستعزز من خلال تلك الشراكة أوضاعها المالية وتزيد من أهميتها الاقتصادية إقليمياً وعالمياً، بحيث تكون لاعباً أساسياً في سوق التكنولوجيا الدولية، فيما ستتيح للشريك الياباني الملاءة المالية؛ للانطلاق لتحقيق طموحه بالتوسع وتنمية الأرباح وتنفيذ خططه الابتكارية في عالم يشهد ديناميكية سريعة تسابق عقارب الساعة. جدير بالذكر أن السعودية ستمتلك 45 % من حصة الشركة التي سيكون مقرها لندن، فيما (سوفت بانك) يملك 25 % والبقية ستباع لمستثمرين عالميين. خلاصة القول إن ما نراه ماثلاً أمامنا سيجعل من المملكة شريكاً في توجيه وإدارة التكنولوجيا على نطاق واسع، وسيحدث نقلة نوعية خلال العقد المقبل في الاقتصاد السعودي لنتحول من أحادية مُصدّر للنفط إلى تنوع التصدير لتكنولوجيا متطورة حديثة يتباهى ويفاخر ويستفيد من مخرجاتها الجميع.