أسدل الستار على الانتخابات المغربية التي انتظمت في 7 أكتوبر 2016 وحصد حزب العدالة والتنمية أكبر عدد من المقاعد لكنه لم يتمكن من تحقيق الأغلبية المطلقة التي تؤهله لتشكيل الحكومة منفرداً، حيث حصل على 125 مقعداً من أصل 395 هي عدد مقاعد البرلمان، يليه حزب الأصالة والمعاصرة المقرب من القصر ب 102 مقعد، متقدماً عما حصل عليه في الانتخابات الماضية بنسبة تزيد على الضعف، حيث حصل في الانتخابات السابقة على 47 مقعداً، وجاء ثالثاً حزب الاستقلال المحافظ بحصوله على 46 مقعداً، فحزب التجمع الوطني للأحرار ب 37 مقعداً ثم الحركة الشعبية 27 مقعداً والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحصل على 20 مقعداً، بعد عقود من تبوُّئه المركز الأول بين أحزاب المعارضة، فقد حصل على سبق تشكيل أول حكومة معارضة في عهد الملك المغربي الراحل الحسن الثاني، وذلك في العام 1998 وترأسها زعيم الحزب عبدالرحيم بو عبيد الذي زاره العاهل المغربي محمد السادس في المستشفى قبل أيام وطبع على رأسه قبلة تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي بمزيد من التقدير والاحترام للملك الذي لم ينسَ مساهمة عبيد المناضل ضد الاستعمار والمعارض الشرس. شارك 27 حزباً سياسيّاً في المنافسة الانتخابية وقدمت جميعها برامج انتخابية متشابهة في الأهداف رغم اختلاف شعاراتها، إذ تركزت هذه البرامج والشعارات في قضايا التعليم والصحة والعمل والاستثمار ومحاربة الفساد المالي والإداري، لكن ثلاثة أحزاب قاطعت الانتخابات لأسباب متباينة وهي حزب النهج الديمقراطي اليساري وحزب جماعة العدل والإحسان وحركة 20 فبراير التي فجرت الحراك في العام 2011. وبلغ عدد المترشحين 6992 مترشحاً تنافسوا على المقاعد البرلمانية موزعة على 95 دائرة انتخابية يغطون 12 منطقة، بينما بلغ عدد الناخبين 15.7 مليون ناخب وراقب الانتخابات نحو 4000 مراقب بينهم أكثر من 90 أجنبيّاً يمثلون خمس جهات قدموا للمغرب بعد موافقة السلطات المغربية على مشاركتهم. وقد جرت الانتخابات وفق نظام الاقتراع باللائحة «القائمة» بالتمثيل النسبي، وتبلغ مدة الولاية النيابية خمس سنوات. لقد جاءت نتائج الانتخابات المغربية لتعكس حجم الاستقطاب السياسي والحزبي وفي ظل ما يواجهه المغرب من استحقاقات اقتصادية ومعيشية صعبة انعكست في برامج الأحزاب المتنافسة، ومنها أزمة البطالة، التي بلغت نسبة 8.6 % في النصف الأول من العام الجاري 2016، فيما يبلغ الدين العام 67 مليار دولار حتى الربع الأول من العام الجاري ويشكل قرابة 64 % من الناتج المحلي الإجمالي. وبالرغم من مقاطعة بعض الأحزاب المغربية للانتخابات النيابية، إلا أنه يمكن القول إن تقدماً ملموساً قد حصل بعد إصدار الدستور الجديد نهاية 2011 إثر الحراك الشعبي الذي شهدته المغرب، وتوافقت أغلب القوى السياسية على الشروع في عملية الإصلاح التي جسَّدها صدور الدستور. وتعوِّل القوى الوطنية المغربية على تطبيق التغييرات الجوهرية في الدستور، بحيث تجد طريقها للتطبيق بشكل واضح وجلي لتتمكن البلاد من تجاوز عثراتها وتستطيع تخفيف الاستحقاقات والانقسامات السياسية القائمة. وبموجب الدستور، يكلف الملك الحزب الفائز في الانتخابات بتشكيل الحكومة. المشهد الراهن يشير إلى أن أكبر حزبين لن يدخلا تحالفاً ولن يشكِّلا حكومة ائتلافية رغم حصولهما مجتمعَين على أكثر من 57 % من أصوات الناخبين، الأمر الذي سيجعل رئيس الوزراء المكلف أسير كل هذه التناقضات. فحسب وزارة الداخلية المغربية، فإن نسبة المشاركة قد بلغت 43 % من إجمالي الناخبين بينما شارك في الانتخابات 6.8 مليون ناخب من أصل 15.7 مليون مواطن مغربي مسجل في القوائم الانتخابية. وشارك في المنافسة الانتخابية 27 حزباً، ما يعكس حالة الاستقطاب الحادة التي قد تقود إلى إلغاء أو تعديل الدوائر الانتخابية. إن المغرب وهو يدخل مرحلة ما بعد الانتخابات، يضطلع بمسؤولية كبرى من شأنها الحفاظ على كيان الوطن وتأسيس مرحلة ما بعد الانتخابات، التي اتسمت بموازنات دقيقة، وتتشكل اليوم محاولات جادة لوضع حلول سياسية جامعة للأزمة السياسية التي تعصف بالمغرب وببلدان الربيع العربي التي شهدت حراكات بعضها أسقط رأس النظام، وبعضها الآخر أراد الإصلاح الذي تشكله حالة المغرب، بينما تتشكل عاصفة كبرى تستهدف كثيراً من الدول العربية التي ترى في استمرار الوضع على ما هو عليه وإدارة أزماته مخرجاً لكل الأزمات، في حين أن إدارة الأزمات لن تقود إلا إلى مزيد من الاستقطابات المضرة بالعمل الوطني الجاد. لقد انتصر المغرب بمشاركيه في الانتخابات النيابية وبمقاطعيها، وتبقى برامج الأحزاب التي وعدت الناخبين «بالمن والسلوى»، محكّاً أساسيّاً لمن يستحق منصب نائب الشعب.