قال الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكةالمكرمة في اجتماعه المعتاد مع المثقفين والمسؤولين في قطاع الثقافة والتربية لإقامة برنامج «حتى نكون قدوة»، الذي يهدف إلى صناعة القدوة الصالحة: «إن الدين الإسلامي انتشر بالقدوة الصالحة في مشارق الأرض ومغاربها، وأكبر مثال على ذلك انتشاره في جنوب شرق آسيا التي لم يحكمها المسلمون الأوائل، ولكن وصلها تجار كانوا قدوة صالحة، فدخل الناس في دين الله أفواجاً». صناعة ثقافة القدوة لن تكون سهلة إلا إذا شعر القدوة بأهمية وخطورة موقفه، وأن هناك مَنْ يقتدي به في البيت والمدرسة والشارع والمؤسسة العامة والخاصة، وأنه كلما زاد الإعجاب به زاد تمسك المقتدين به إن خيراً فخير ومع الأسف إن شراً فشر. هؤلاء الذين أساءوا إلى الوطن والدين والعروبة، كانوا مقتدين من حيث يعلمون أو لا يعلمون، فقد سُلبوا القدرة على فرز الصالح من الرديء نتيجة إعحابهم بالقدوة، هذا السلب إفرازٌ لجهل المقتدي، أو حماسٌ غير مرشد في سن خطرة تُخلْق فيها طبائع الإنسان في البيت، أو المدرسة، ولخطورة دور المعلم، وبالذات في مراحل التعليم العام، يجب خلق القدوة في هذه المحاضن المهمة جداً. بلغ عدد الطلاب في المملكة في هذا العام 2016 حوالي خمسة ملايين طالب وطالبة، وبلغ عدد المعلمين والمعلمات حوالي خمسمائة ألف، وبلغ عدد المدارس حوالي ثلاثين ألف مدرسة، ونحن لا نستطيع خلق نصف مليون قدوة بين عشية وضحاها، ولكننا نستطيع بالتأكيد خلق ثلاثين ألف قائد وقائدة مدرسة قدوة جيدة بالاختيار الجيد، والتعليمات الواضحة والمدروسة والمستقرة، والدورات المتميزة والمتكررة، والمتابعة والتقييم الجيدين من قِبل مشرفين واعين للأهداف العليا لفكرة القدوة الصالحة. والعالمون ببواطن الأمور في المدارس يعرفون أن الفرق بين المدرسة الجيدة والمدرسة الضعيفة سببه مديرُ مدرسةٍ ممتازٌ وواعٍ وذكي لا يتعثر أمام التحديات، متفهمٌ طريقة تحقيق الأهداف المنوطة به، ومديرُ مدرسةٍ مترهلٌ ومتسيبٌ وجاهلٌ وكسولٌ، وكما هو معلوم فإن فاقد الشيء لا يعطيه. فكرة الأمير خالد الخلاقة ليست فكرة مؤقتة، وإنما برنامج طريقٍ طويلٍ، يهدف إلى إعادة تأهيل المجتمع بحيث يعود إلى بياضه ونصاعته الأولى، وتهدف إلى نزع ما عَلِق بالمجتمع السعودي من أدران نتيجة القدوات الضالة والمضلة التي عملت لعدة عقود لتشويه سمعة المواطن السعودي بوصفه بالتكفيري، أو المتشدد، أو الإقصائي، أو العنصري والفوقي والمسرف في كل الأمور. دون شكٍّ المجتمع السعودي مثله مثل كل المجتمعات في الدنيا، ليس مجتمعاً ملائكياً، ولن يكون، على أن عدم وجود هذا المجتمع على وجه الأرض لا يعفينا من إصلاح ما يمكن إصلاحة بالوسائل السلمية. فكرة المدير القدوة ليست حكراً على التعليم، بل تنطبق على كل المؤسسات العامة التي نستطيع السيطرة عليها وتوجيهها دون الدخول في دهاليز الإدارة، فالمدير القدوة النزيه، الذي يحافظ على كرامة المراجعين وعلى أوقاتهم ومصالحهم، تنعكس تصرفاته بصفته قدوة على العاملين معه، وعلى المراجعين له، فيصبح قدوة لهم جميعاً. لقد شاهدنا وتابعنا وعرفنا قدوات صالحة بثوا روحهم في إداراتهم فانعكس ذلك على كل شيء حتى على مستوى النظافة والقيافة والإضاءة وغير ذلك، وعرفنا رؤساء إدارات بثوا الكآبة والمعاملة السيئة في إداراتهم فأصبحت عنواناً لكل رذيلة. أنا أعتقد أن القدوة الجيدة تبدأ بالمدير الجيد.