قضية «تكافؤ النسب» مسألة مثيرة للجدل والخلاف بين عديد من الناس، وكلهم يتقبلها بين رافض أو مؤيد لأحد التيارين، لاسيما في المجتمعات القبلية، وكذلك في البلدان التي يشكل أبناء «القبائل» غالبية سكانها، وهذه القضية الاجتماعية متأصلة في النفوس، وهي من المسائل المؤثرة في تكوين واقعنا الأسري، وهذا المسلك الاجتماعي خاضع لسلطة الأعراف والعادات والتقاليد التي تعتمد على التوافق القبلي للقبائل التي أصولها من البادية والتوافق الأسري العوائلي لأبناء الأسر التي أصولها من الحاضرة وليس على المستوى الفكري والثقافي، علماً بأن المستوى الفكري والمعرفي صار له حضور في تشكيل التكوين الأسري لكن وفق المسار الاجتماعي المرتكز على التقاليد المتوارثة، وأولئك الذين يحاولون الالتفاف على هذا العرف المجتمعي تحت مسميات الحضارة والتطور كمن يريد القفز في الهواء بلا منطاد، لأن مثل هذه القيم هي التي تحفظ الأنساب وتحافظ على ديناميكية الحياة الطبيعية في المجتمع، وأي محاولة مقصودة أو غير مقصودة لخلط الأوراق مهما كانت المسببات ما هي إلا محاولات لتفجير المجتمع من الداخل والعبث بمكوناته الأساسية. إن المشكلات التي تحصل بين الفينة والأخرى من جراء موضوع «تكافؤ النسب» مشكلات بسيطة لم تصل حدّ الظاهرة، وإن كان بعضهم يحلم بالخروج من «عنق الزجاجة» اجتماعيّاً، فليس من حقه جلب شرائح المجتمع الأخرى إلى قعرها، فالأفضلية في الإسلام للتقوى والعمل والصالح، وهذا مضمار ديني عقائدي تعبّدي يتنافس فيه الجميع كلٌّ وفق اجتهاده وعمله ونصيبه من التقوى، وهذا مقياس رباني وضعه الخالق لعباده «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، لكن «عند الناس» مقاييس فرضتها القوانين الاجتماعية المتوارثة كابراً عن كابر، غير أن سباق «حرق المراحل» في هذا الشأن لا تقرره قناعات المثقفين وأقلام الكتّاب، وتأملات الفلاسفة ونظريات علماء الاجتماع أو جهود العاملين في حقول خدمة المجتمع، فهذه مسألة اجتماعية يقررها المجتمع الذي يحكمه العرف المسمّى بثقافة الناس اليومية باسم «السلوم» -أي العادات-، لكن المستغرب من الذين يتطاولون على تاريخ الناس الاجتماعي كلما أطلَّت على المجتمع مسألة من مسائل «تكافؤ النسب»، وكأن هذه القضية بمنزلة «ثالثة الأثافي» التي تقصم ظهر الجميع، ولن نصل للعالمية وللتطور إلا بعد القضاء على هذه «المعضلة الاجتماعية»، وهذا الكلام المكتوب في هذه المقالة لا يعني بأن كاتب هذا السطور لا يريد التخلص من بعض جوانب القصور في التوافق الاجتماعي الذي يعدُّ ميداناً واسعاً يحتوي عدداً من المضامين الاجتماعية التي منها التوافق التعليمي والفكري والنفسي والاقتصادي، لأن مثل هذه الأمور حينما يحصل الخلل فيها ستؤثر على حال الأسرة وطبيعة العلاقة بين الزوجين. موضوع «تكافؤ النسب» ليست قضية عامة بالدرجة الأولى، وإن تم التسليط عليها إعلاميّاً بين الحين والآخر كونها حالة اجتماعية، غير أنها تبقى كامنة لا يمكن زحزحتها لأنها إرث عربي متواصل من قبل الإسلام، وكل من يتحدث بأن لهذا الموضوع أضراراً نفسية أو اجتماعية كمن يهرف بما لا يعرف عن وضع المجتمع، فهو إما أنه شخص عابث يريد إيجاد حالة من الفوضى الاجتماعية بسبب ادعاء التحضر الزائف، أو شخص معني بعبور الهوة النفسية بينه وبين الواقع المَعيش، ولم يجد له فرصة لتجاوز هذا الوضع إلا بالرفض والكتابة بحماس للتخلص من هذه القيم المجتمعية، وإن تحقق له هذا العرض بينه وبين نفسه. من حق أي شخص أن يعترض على هذه القناعة وهذا التوجه، لأن القضية تمسّ بعض شرائح المجتمع، لكن في المقابل ليس من حق الرافضين لهذا الرأي الموجود في هذه الأسطر بحجة أنه لا يوافق قناعاته أو هواه، أو توجهاته الفكرية والأيديولوجية، لأن الموضوع بطبيعة الحال يعني شرائح اجتماعية أخرى ترفض مسألة «حرق المراحل» أو قانون «الطيران في الهواء الطلق بلا أجنحة» تحت مبرر أن هذا الكلام لا يتماهى مع ثقافته المعلّبة التي يريد فرضها بالإرهاب الفكري وكتم أفواه المخالفين لرأيه، أو إسكات الأقلام المناوئة لهذا التوجه الحاصل من هذا الشخص أو ذاك.