«عند الصباح يحمد القوم السّرى»، ومع شروق الشمس نقلب ورقة التقويم وننتزعها إيذاناً بدخول يوم جديد، حتى نصل إلى الورقة الأخيرة التي تشعرنا بأن العام قد انتهى بكل ما فيه من مواقف وأحداث ودروس وعبر. عام مضى بخيره وشره، وأفراحه وأتراحه، وانتهت محطة من حياتنا لتبدأ محطة أخرى عند انتزاع الورقة الأولى من تقويم العام الجديد، نترقب أن يكون أفضل مما سبقه، سائلين الله أن يكون عاماً سعيداً معززاً بالنصر المؤزر. عام مضى انقضت أيامه وطويت صحائفه، وغابت شموسه وأقماره، ومواعظه وأحداثه، وعبراته وعظاته، ولد فيه أطفال ورحل آخرون، شفي فيه مرضى ومرض آخرون، مر حزيناً وثقيلاً على أناس وسعيداً وخفيفاً على آخرين، فهكذا تقلبات الأيام، الآلام تنقلب أفراحاً، والأفراح تنقلب أتراحاً، وتسير عجلتها بلا توقف، ينقضي عام ويبدأ عام جديد، فيجب أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، فقد منحنا الله فرصة للتوبة والتخطيط للعيش فيه، نتلافى أخطاءنا فيما سبق، ونبحث عن الحسنات بأعمال الخير الموجود في الأمة حتى تقوم الساعة، وهكذا علينا أن نتفكر ونتدبر في تقلبات الدهر وأيامه التي طوينا فيها صفحات من أعمارنا. الارتباط بالتاريخ الهجري ارتباط ديني، فهو يعبر عن شخصية الأمة الإسلامية واستقلالها، وفيه مناسبات دينية عظيمة تتكرر كل عام، فلهذا كانت ومازالت معاملاتنا الاجتماعية والدينية والاقتصادية في بلاد الحرمين الشريفين تتكئ على التاريخ الهجري، مع عدم إغفال التاريخ الميلادي الذي يعتمده العالم كله في معاملاته الاقتصادية والبلاد السعودية جزء من العالم. في الآونة الأخيرة يتردد في بعض الأوساط الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي أن هناك توجهاً لصرف رواتب موظفي الدولة «القطاع العام» في الأشهر الميلادية، وهذا جزء من الارتباط الاقتصادي المحلي، لكنه يتواءم مع كل المعاملات المالية داخلياً وخارجياً، ومع ذلك سيبقى التاريخ الهجري كما هو في المعاملات الدينية لارتباطه ببعض العبادات، ومنها رؤية شهر رمضان المبارك وصيامه وقيامه، ودخول شهر ذي الحجة، والوقوف في عرفات، وعيدا الفطر والأضحى، وصيام «الست من شوال» وصيام عاشوراء، وغير ذلك من العبادات، والأشهر الحرم وما فيها من الأوامر والنواهي، فهذا شهر محرم الحرام يهل علينا أول شهور السنة الهجرية، نستفتح فيه عامنا بالعبادة، فصيام يوم عاشوراء محسوب على الله يكفِّر السنة التي قبله كما قال نبي الهدى والرحمة في صحيح مسلم «أَحْتَسِبُ على اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ». والهجرة النبوية حدث عظيم، غيَّرت وجه العالم، وبدأت فيه مسيرة تأسيس دولة الإسلام عندما هاجر المصطفى محمد، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه من مكةالمكرمة إلى طيبة الطيبة حيث جعلها مدينته التي انطلق منها شعاع الإسلام إلى الآفاق. اللهم أدم علينا نعمة الأمن والأمان والخير، واصرف عنا فتن الشر، وامنحنا قوة الصبر على المحن، واجعل عامنا مباركاً.