اليوم، يطوي المسلمون عاما هجريا، حمل جملة من الأحداث والتغيرات والعبر، ويستقبلون عاما جديدا، وتاريخنا الهجري يعيدنا إلى حادثة تاريخية شهيرة تحول الإسلام خلالها من الوهن إلى القوة.. فالهجرة النبوية تذكرنا بدروس، وتأخذ بخواطرنا إلى أمور عدة، أبرزها: ما سنه عمر بن الخطاب باعتماده التاريخ الهجري، ليؤرخ بذلك أهم أحداث المسلمين، ويذكرهم بالهجرة النبوية، ولكن في المقابل هناك دعوات إلى التخلي عن هذا الإرث التاريخي، والتحول إلى التقويم الميلادي لأسباب أهمها مواكبة التطورات والتواصل مع دول العالم اقتصاديا وسياسيا ليظل السؤال الأهم: لم يستبدل المسلمون أحيانا تاريخهم الهجري بالميلادي. وهنا يؤكد الشرعيون أن اقتصار الشركات في معاملاتها الرسمية على التاريخ الهجري فيه ضرر بالغ، منوهين بعدم توافقه مع التجارة العالمية، والرحلات الدولية، قائلين: «يتحتم علينا مراعاة التاريخ الميلادي دون أن نستغني عن الهجري المؤقت لعباداتنا، والمؤرخ لتاريخنا»، وطالبوا بعدم الاقتصار على أحد التاريخين، بل إلى تلازمهما، مشيرين إلى أن التهنئة بالعام الجديد لا أصل لها، وإن رأى البعض أنها من شأن العادات.. «عكاظ» ناقشت هذه القضية التي تثار كل عام، وهذه حصيلة الآراء: قيمة مهمة أكد المستشار في الديوان الملكي الدكتور عبد المحسن العبيكان، أن التهنئة بالعام الهجري الجديد لا أصل لها، ويضيف: «وردت التهنئة في الأعياد، أو المناسبات المعروفة، كالزواج، قدوم المولود، وعودة الغائب»، لافتا إلى أن المهنئ عند مبادرته بقول: كل عام وأنتم بخير، يجاب عليه: تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، كاشفا عن ضرورة تنبيهه بعدم وجود أصل لتهنئته، وأن الأجدى ترك ذلك. وبين الدكتور العبيكان أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو من أسس التاريخ الهجري، جاعلا من شهر محرم بداية للعام، نافيا ما جاء عن أن التاريخ الهجري لم يعد ذا أهمية، مطالبا الحرص عليه لما يمثله من قيمة تتمثل في هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، مناديا بضرورة جعله عالقا في النفوس، خاصة أنه يذكرنا بالتخلص من حياة الظلم والاستبداد اللذين حلا بالمسلمين في ذاك الوقت. وحول المقولات التي تشير إلى أن استخدامه سيجعلنا في منأى عن دول العالم اقتصاديا وسياسيا، نفى العبيكان ذلك، مشيرا إلى أن المملكة تعمل منذ نشأتها عليه، دون حصول أضرار جراء تمسكها به. سنة حسنة وفي المقابل، عارض عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور حمد الماجد رأي العبيكان بالقول: «نحن أمام حقائق تبعث الحيرة في النفوس، والمملكة هي الوحيدة حسب علمه المتمسكة بالتاريخ الهجري، ويضيف: «لا يمكن عزل أنفسنا بسهولة عن العالم الذي يعتمد على التاريخ الميلادي» ، ذاكرا أن حدود التواصل بين المجتمعات مفتوحة، ما يحتم التعايش معهم، نافيا وجوب التمسك بالتاريخ الهجري، وطالب بإعادة النظر في المسألة، خاصة أن التاريخ الإسلامي مرتبط بأهم الأحداث الشهيرة للرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام، إضافة إلى كونه سنة حسنة وضعها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وطالب عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الجهات المعنية من الهيئات، السياسيين، الاقتصاديين، ورجال الفكر، تدارس الموضوع حول إمكانية الاعتماد عليه رسميا في العالم الإسلامي من عدمه، كما هو حال الدراسات في دخول شهر رمضان بين الشرع والفلك، مشيرا إلى أن الموضوع إن أخذ من زاوية التقليل للتاريخ بعد هجرانه، فحينئذ يحتم علينا ترجيح كفة الاستمرار عليه، وخلص الماجد إلى ضرورة مراعاة الهوية الدينية، والمصالح الدنيوية، والعمل على ما ينفع الناس في الدارين. هوية إسلامية وشدد المشرف على كرسي الأمير سلطان لأبحاث الشباب وقضايا الحسبة الدكتور نوح الشهري، على أن التاريخ الهجري جزء من الهوية الإسلامية، وأضاف قائلا: « يصعب على أي مجتمع الانفصال عن هويته بسهولة»، مشيرا إلى أن التعامل عبر الشبكة العنكبوتية أزال الحواجز بين الدول وبما يساعد على تجاوز الدول مرحلة القيود على تاريخ معين. وفيما يتعلق بتأثير تاريخنا على الجوانب الاقتصادية، الإجازات، أو العلاقات، أشار الشهري، إلى قدرة المؤسسات على تجاوز هذه الأزمة، مبينا أن العمل الدؤوب على مدار اليوم أزال العوائق، وقال: التاريخ الهجري مصدر تميزنا، وأن التعامل به ضرورة ملحة، كونه يؤرخ ماضينا ومستقبلنا، نافيا وجود سلبيات تذكر حول استخدامه. ادعاءات قديمة وفند أستاذ التربية الإسلامية المشارك في جامعة أم القرى الدكتور عدنان حسن باحارث، كافة المزاعم التي تشير إلى أن المسلمين سيعيشون في منأى عن العالم باعتمادهم التاريخ الهجري، وقال: «هذه الادعاءات قديمة»، معللا ذلك بتواصل المسلمين مع العالم عبر قرون طويلة، رغم اعتمادهم التاريخ الهجري، ويضيف: «ماذا حقق المسلمون المعاصرون ممن اعتمدوا التاريخ الميلادي، سوى التبعية والوصاية»، نافيا ما يروج له الآخرون بأن تاريخنا يعكر تواصل الشعوب، معتبرا استبداله بالميلادي جناية في حق المسلمين، واستخفافا بتاريخهم، ونزع هوية التميز والاستقلال». وحول التهنئة بالعام الهجري الجديد نوه باحارث، بممانعة العلماء لها، مقتصرين في ذلك على مناسبات كالعيدين فقط، إلا أن صنفا رأى أن التهنئة من العادات لا العبادات، مضيفا: «المسألة واسعة، ويبقى العيدان في قلب المناسبات الإسلامية»، لافتا إلى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان أول من اعتمد التاريخ الهجري، مشيرا إلى أن التاريخ الهجري يحمل قيمة لدى نفوس المسلمين، وهو جزء من وحدتهم، ويجمعهم على تراث وحضارة، ويضبط موعد عباداتهم، ويعد معلما للوحدة، وللاتقاء، وأوضح باحارث أن سلبية استخدامه وشاية يروج لها أعداء الملة، خشية وحدة المسلمين، وسعيا لتفريق وتمزيق الأمة، منوها بأن الشرع لا يمانع التواصل العالمي باعتماد التاريخ الميلادي، ولكن مع إحياء التاريخ الهجري إلى جانب الميلادي. إعادة نظر من جهته، عارض الأستاذ المشارك في المعهد العالي للقضاء الدكتور هشام آل الشيخ رأي الدكتور باحارث، مشيرا إلى أن المطالبات بتغيير التاريخ الميلادي إلى الهجري، فيه ضرر، معللا بأن العالم لا يعرف التاريخ الهجري، ولا يمكن إلزامه برؤية الهلال. وأردف: «لو نفذت هذه الفكرة، لتسببت في اختلاف المواعيد العالمية كالطيران، والأمور الاقتصادية الأخرى». مبينا أن التاريخ الميلادي أكثر دقة في المواعيد، أما الهجري فهام للمسلمين، لارتباطه بمواعيد العبادات، كصيام رمضان، الحج، ويوم عاشوراء. وتابع: «لا ننكر في الوقت ذاته التعامل بالميلادي للحاجة»، نافيا أن يكون استبعاد البعض للتاريخ الهجري دلالة للتقليل من أهميته، لافتا إلى ضرورة عدم إغفال التاريخ الهجري في كتاباتنا، إلى جانب الميلادي، مطالبا تعليم الأبناء للتاريخ الهجري، وتعويدهم عليه، كونه يؤرخ أحداث المسلمين، كما أنه سنة سنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه. واستشهد آل الشيخ بعدد من دروس الهجرة، ككتمان السر، فالنبي صلى الله عليه وسلم خرج من مكةالمكرمة، ولم يبلغ أحدا، ليصل بأمان إلى المدينةالمنورة، والدروس الأخرى التي مرت بالنبي صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة، كخيمة العجوز، مقابلته لسراقة بن مالك، ومعجزة النبي صلى الله عليه وسلم لسراقة، بوعده بسوار كسرى، وقصص الفداء والصبر والتحمل. الهجري والميلادي بدوره بين الأستاذ المشارك في كلية الشريعة في جامعة الطائف الدكتور جميل اللويحق، أن عدم استخدام التاريخ الهجري دلالة على التقليل من أهميته، قائلا: «الجهات الرسمية في بلدنا، طالبت بذكر التاريخين دون إغفال أحدهما»، معتبرا الاقتصار على الميلادي تقليدا للغرب إن كان لغير الحاجة، ودلالة على الإعجاب، في حين منعت الشريعة الإعجاب بغير المسلمين، أو التشبه بهم، ويضيف: «جاء عن علماء ضرورة كتابة التاريخ الهجري إلى جوار الميلادي»، لافتا إلى عدم وجود مانع لاستخدام الميلادي عند الحاجة، كالحجوزات العالمية، مع ضرورة مراعاة التاريخ الهجري. وزاد: «على المسلمين تجنب ما يريبهم، وألا يعجبوا بمظاهر غير إسلامية»، مطالبا الحفاظ على الهوية الدينية التي امتدت عروقها لقرون، داعيا إلى الالتفات لما يفيد المسلمين، والاستفادة من عبر ودروس الهجرة، مبينا أن التاريخ الهجري جزء من الهوية الإسلامية، ويرتبط بأعظم مكوناتنا «أي الدين»، معتبرا الرجوع إلى العادات والتقاليد، كالتاريخ الهجري، من علامات الأمم المتحضرة المهتمة بتراثها، كما هو الحال في الصين. لا غنى عنهما إلى ذلك، استبعد عضو مجلس إدارة مؤسسة هيئة الطوافة الدكتور يحيى كوشك، إمكانية التخلي عن التاريخ الهجري كليا، قائلا: «يستحيل خلع لباسنا، واستبداله بآخر»، ويضيف: يحوي التاريخ الهجري بين طياته مناسباتنا الدينية وعباداتنا، مبينا ضرورة العمل بالتاريخين، خاصة أن أحدهما يخص عباداتنا، والآخر معاملاتنا التجارية، نافيا إمكانية استبدال التاريخ الميلادي بالهجري أو العكس، معددا بعض فوائد الهجرة، كالأخوة بين المسلمين التي لم يحدث لها نظير في التاريخ.