تصوُّري لقانون «جاستا» تصوُّر أعتبره رأياً ضمن آلاف الآراء التي خرجت من كل فج عميق؛ خاصة أن هناك أقوالاً كثيرة تقول إن ما صُوِّت عليه أخيراً ليس القانون الذي صُوِّت عليه أولاً ورُفِع للرئيس أوباما. صحيح أننا لم نتخذ الإجراءات المناسبة في داخل المملكة وفي الخارج وتحديداً في الولاياتالمتحدة للدفاع عن سمعتنا منذ اتضح أن خمسة عشر من الإرهابيين التسعة عشر الذين نفذوا جريمة 11 سبتمبر سعوديون واعتمدنا على أننا أكثر من اكتوى بنار الإرهاب وهذا يغنينا عن الدفاع عن أنفسنا وأن لا دخل لنا في القضية وأن الإرهاب لا جنسية له، وهذه حقائق لا لَبْس فيها، لكن هذا ليس ما يعتقده الآخرون فهناك من يبحث عن كبش فداء، وكانت هناك فرصة عظيمة لليقظة من هذه السياسة عندما وقف ضدنا أكثر من قدَّمنا لهم الدعم والمساندة في حرب تحرير الكويت قبل حادثة سبتمبر بعشر سنوات، ولم نسأل أنفسنا السؤال الطبيعي لماذا وقفوا مع الباطل وهذه غفلة لا تليق بدولة تملك كل الكفاءات للبحث في إعادة تشكيل سياستها الخارجية حسب الظروف، ثم أتت جريمة سبتمبر حين توقع عقلاء الأمة أن ينتفض المارد من نومته ويصلح أوضاعه ولكننا لم نفعل!. أعتقد أنه كان من الواجب بعد الجريمة إنشاء هيئة من خبراء الإعلام والتأثير والتواصل تتمتع بصلاحيات واسعة في مجالها وحرية في حركتها وقدرة مالية ضخمة لدعمها تعمل في الولاياتالمتحدة لإقناع الرأي العام وتحديداً أسر الضحايا والمصابين وتقيم الفعاليات السياسية لتبرِّئ بلادنا من أي علاقة بهجمات سبتمبر خاصة أن هناك من يلوِّح بمسؤوليتنا مباشرة عن الحادث وعلى رأسهم إيران. خرجت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس بنظرية الفوضى الخلاقة وبدأ تنفيذ هذه الفوضى التي لا يمكن أن تقنع أحداً بأن هناك فوضى تَخلق أمراً خلاقاً بل الفوضى تَخلق فوضى. بدأت الفوضى في العراق واستمرت من عام 2003 حتى اليوم وبدأت الحركات الجماهيرية في نهاية العشرية الأولى من القرن الجديد، بدأت في تونس وسقط بن علي وتماسكت تونس وسقط القذافي وانهارت الدولة الليبية وتبعتها مصر لكن الجيش والشعب المصري تماسكا لإنقاذ مصر في 30/ 6 من حكم الإخوان، وانفجر الوضع في اليمن وانتشرت المظاهرات ضد حكم علي صالح وسقط الحكم هناك ثم كان الانفجار العظيم في سوريا وكانت إيران في الملعب تشعل الحرائق، والهدف الرئيس السعودية التي إذا سقطت في براثن الفوضى الخلاقة فسوف تسقط دول الخليج كأحجار الدومينو، ولكن الجبهة الداخلية في المملكة كانت أقوى من تصورات وتوقعات أمريكا المالك الحصري لصناعة الفوضى. طبعاً كل الدول التي حدثت فيها الفوضى بدأت بقلاقل في الداخل ومن خلال هذا الثقب تدخلت أمريكا في أماكن وتدخلت إيران في أماكن أخرى، فَعَّلت إيران عملاءها في السعودية ولكن النتائج باءت بالفشل، هنا حركت إيران عملاءها في اليمن لعل الحوثيين يقومون بدور حزب الله في لبنان، ولكن السعودية في اللحظة صفر بادرت بالتدخل لإنقاذ اليمن من براثن إيران وتحوُّل الحديقة الجنوبية للمملكة إلى بركان يقذف حممه على المملكة، وقامت الحرب في بلد له خصائصه الاجتماعية وطبيعته الجغرافية القاسية التي تجعل الحرب فيه أكثر قسوة ولكن لم يكن هناك بد مما ليس منه بد، والمملكة بخبرتها الواسعة تعلم أن دخول الحرب أمر سهل ولكن الخروج منها ومن نتائجها أمر صعب، ولكن كانت حرب وجود لا حرب حدود. تماسكت المملكة بعد انهيار أسعار البترول وشاهد الشعب في المملكة نتيجة الفوضى الخلاقة في دول الجوار فضاعف تمسكه بالحفاظ على وحدته واستقراره مهما كانت التضحيات، هنا تغيرت خطة الفوضى الأمريكية بتدمير المملكة اقتصاديّاً خاصةً عندما اتضح أن هناك عملاً كبيراً لإنقاذ المملكة من إدمان البترول وإلى تحررها من الفساد والجهل وسيطرة الثقافة الدينية المتحجرة والتحرر من الهيمنة الأمريكية، وكان الحل لدفع المملكة لساحة الفوضى الخلاقة قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب»، كان تآمريّاً بجدارةٍ وفي توقيت انتهازي لتحريك قضية 11 سبتمبر في وقت يكون فيه الرئيس الأمريكي -الضعيف أصلاً- في أضعف أوقاته لتحريك الدعاوى في قانون يعدُّ حرباً غير معلنة على السعودية.. قانون قبيح أظهر مدى ما وصلت إليه الغطرسة الأمريكية من غرور وشوفينية، كان واضحاً أن المقصود به بلادنا، لم تعبِّر المملكة عن قلقها من القانون وحدها بل اعترضت عليه معظم دول العالم. أتمنى أن لا يكون هذا القانون استمراراً لسيناريو الفوضى الخلاقة المصنوع لزعزعة الاستقرار. عندما التقى حكام الخليج بالرئيس أوباما في كامب ديفيد في شهر مايو 2015 قال الرئيس وكرر وزير الخارجية إن الولاياتالمتحدة سوف تتدخل عند «الضرورة» ولم نفهم أن الضرورة حسب مفهومنا قد لا تكون ضرورة حسب المفهوم الأمريكي. نحن الآن في الحلبة لذلك أتمنى أن نتكاتف كشعب ومع القيادة أكثر وأكثر وأن نشعر أننا في قارب واحد، وتحديداً من خلال الفعاليات الدينية التي يجب أن تتوقف عن نشر الآراء المتشددة والمحرجة لبلادنا ولنظامها السياسي؛ حيث تؤكد أننا مصدر للتشدد والإقصاء وبث روح الكراهية والعنصرية والفاشية.