شكّل المسرح إحدى أهم وسائل توظيف القيم والاتجاهات والميول في المجتمع، وبحكم عملي في هذا المجال فترة طويلة فإن المسرح السعودي والخليجي مر بفترات بداية قوية تمثلت في أنه كان صوت المجتمع وناقش عديداً من القضايا التي لامست عمق المجتمع وتلامست مع عمق القضايا المجتمعية المختلفة وقد تم علاجها بطريقة ساخرة وفكاهية وكوميدية فاخرة، إلا أن المسرح مر بفترة ركود في الأعوام الخمسة الأخيرة فيما يتعلق بالنصوص التي تعالج القضايا بشكل احترافي؛ حيث غاب النص المباشر وباتت بعض المسرحيات تركز على الفكاهة من أجل الفكاهة وغابت الأبعاد المجتمعية في حل القضايا رغم وجود أعمال نادرة عرضت الأعوام الماضية في السعودية وأيضاً على مسارح الخليج خرجت من عباءة التقليد الذي وصل في بعض الأحيان إلى «التهريج». القضايا المجتمعية كثيرة وكما نعلم فإن الدراما تعالج عديداً من القضايا ولكن بعض المنتجات الدرامية تركز على الحلقات الطويلة التي تبعد المتلقي عن معالجة المضمون في ظل وجود نصوص مطاطية توجه الدراما نحو التطويل والتركيز على مضامين بعيدة عن المحتوى أحياناً الذي تتم مناقشته. المسرح اختزل في أعوام مضت عديداً من القضايا في ساعات بسيطة، إلا أن هنالك معاناة كبرى من طغيان الفكاهة البحتة والتهريج أحياناً في معظم المسرحيات مما جعل المسرح يحتاج إلى إعادة نظر، وأرى أن يتم عقد ورش عمل من الجهات المعنية مثل الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون عن المسرح، واقعه ومستقبله، ومناقشة قضاياه الحالية التي جُعلت بعيداً عن إرضاء المتلقي وفي منأى عن النقاش الحقيقي للقضايا والهموم المجتمعية التي تتشكل فيها الحلول بكل سلاسة وهذا هو المسرح الحقيقي الذي نود أن يعاد إلى فترة الحقب الذهبية في السعودية والخليج والوطن العربي؛ فلدينا من القضايا كثيرٌ وكثيرٌ والمناسبات متوافرة والجمهور متعطش لمسرح احترافي يناقش ويتفاعل مع القضايا ويطرح الحلول في قالب مسرحي، نحتاج إلى إعادة النظر في النصوص والاستعانة بالمتخصصين في الكتابة وأيضاً عودة كبار الفنانين الذين هجروا المسرح وغابوا فغابت الهيبة الواجب توافرها في المسرح؛ فقد تحول المسرح إلى حلبة تهريج خالية من الرسالة السامية ومن الفن الحقيقي الذي علمنا عليه نجوم الماضي؛ فقد أصبح سخرية الحاضر خاصة في السعودية تحديداً عند غياب حلقة مهمة وهي الرجل كما يعلم الجميع أن المسرح النسائي في السعودية لا يوجد فيه رجال مما زاد الطين بلة؛ فأصبحنا نغطي على هذه الحلقة المفقودة بشكل خاطئ وبالتالي تحويل المسرح إلى تهريج وسخرية دون احترام هذه الخشبة التي وقف عليها عمالقة الفن القدامى، كما ألقي اللوم على المنتج الذي لا يختار الممثلة الحقيقية؛ حيث إن أغلبهن نجمات شاشة وخشبة المسرح هي سيدة الفنون وتبقى المكان الحقيقي لاختبار النجوم.