«غورباتشوف الشخص الوحيد الذي وُجدت به الفرصة لإسقاط إمبراطورية الشر» هذا الكلام هو لرونالد ريجان وكتبها في مذكراته، ولا يختلف عن غيره من الرؤساء الأمريكان ولا حتى عن طبيعة الشعب الأمريكي، فغالبيتهم مشتركون بأن لا صديق دائماً ولا عدو دائماً، ولكن المصالح تطغى دائماً وأبداً، فلا تُصدق يوماً ما أن أمريكي تخدمك لأجل عينيك أو من أجل الإنسانية أو أية اعتبارات أُخرى لها تفسيرات جانبية، أو تتعلق بحسن النيات، فهذه المُصطلحات لا وجود لها في القاموس الأمريكي، وما يوجد من قوانين وتعاليم ويأخذون من دروس تنمُّ وتصبُّ من عقيدة المصلحة والإيمان الراسخ بالمقابل لكل شيء، فلا حدود ولا حواجز تقف عائقاً أمام المصلحة..! هذا هو البيت الأبيض يفتخر بسقوط الاتحاد السوفييتي، ومما لا شك فيه أن تفكُّك الاتحاد السوفييتي كان حدثاً عالمياً ويشير إلى انتهاء الوجود القانوني لدولة اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، وقد حدث ذلك التفكك في 1991م، ومما أوقفني هُنا والعودة إلى التاريخ ما حصل قبل هذا السقوط بيوم، حيث أعلن الرئيس الأول للاتحاد السوفييتي والحاكم الثامن له ميخائيل غورباتشوف، إعلان استقالته في خطاب وجَّهه إلى الشعب السوفييتي عبر التليفزيون الرسمي، وأشار في الخطاب إلى أن مكتب رئيس اتحاد الجمهوريات السوفييتية قد تم إلغاؤه وبهذا تكون نهاية الحرب الباردة، والسؤال الذي تردد في خلجات كثيرين يومها: مَنْ وراء انهيار أقوى دولة في العالم؟ وليست الفترة بالطويلة على مقياس الدول، وكيف لأمريكا أن تحتفل؟ وما هو الدور الأمريكي وأين الصداقة التي يتنطّع بها الأمريكان قبل ذلك الوقت لروسيا وغورباتشوف شخصياً؟ وهل فعلاً كانت ألاعيبهم وخبثهم خلف ذلك السقوط..؟ هل يُعقل أن دولة تزيد على 13 جمهورية مُختلفة الأعراق والأطياف واللغات توحَّدت لأكثر من سبعين سنة وتسقط في ليلة وضحاها..؟! الأمريكان لا صديق لهم، ولابُد أن نستذكر التاريخ، وعلى مر العقود والسنوات اذكروا لي حادثة واحدة فقط وقفت فيها أمريكا مع صديق لها، وحادثة واحدة فقط استمرت أمريكا في صداقة دولة ما أو حلف ما..!! أمريكا لعبت دوراً كبيراً وبخبث في حرب أفغانستان حتى أرهقت الاتحاد السوفييتي، مُستغلة في ذلك الوقت كل الطرق والأساليب الشرعية وغيرها، القانونية وغيرها، الإنسانية وغيرها، المُهم أن تحقق أهدافها ومن بعدها العالم في طوفان..! شعارهم تبقى أمريكا ويغرق العالم، فليس مهماً، وهذه سياستهم وديدنهم، ومن أجل ذلك ومن جراء ألاعيب أمريكا ضحَّت بكثير ممن كانوا أصدقاء أو تعتبرهم أمريكا ضمنياً (ضمن أجندة إعلامية ومنهجية لتنفيذ أجندتها) وهم أصدقاء لمرحلة مُعينة ليس إلا.. ! سقطت أنظمة كثيرة وكانت اليد الخفية لأمريكا والدور الإعلامي الذي لعبته من أجل إضعاف الموقف السوفييتي أمام المجتمع الدولي، وذلك من خلال حادثة تشيرنوبيل عام 1986 وزلزال أرمينيا 1989، ومن هنا أظهرت أمريكا للعالم أن الاتحاد السوفييتي عاجز تمام عن حماية المُنشآت النووية، وأيضاً في مجال الرعاية الصحية والإغاثة، وهُنا وقفة وسؤال كبير يجب أن نتعلم منه دروساً وعبراً «حين انفتح الاتحاد السوفييتي على الغرب، ماذا جنى؟ وحين التصاق غورباتشوف بالغرب بدرجة كبيرة وهرولته إلى الرأسمالية والتصاقه برونالد ريجان وهو يعلم أنه ممثل سينمائي وخريج مدرسة هوليوود، وربما يعلم أن الأمريكان لا صداقة لهم ولا أمان، خاصة بعد قمة (ريكيافيك) التي كانت وراء إغلاق ما يُسمى بالحرب الباردة، كل هذه الأسباب والمسببات ومع ذلك هرول غورباتشوف إليهم وارتمى في أحضانهم وكانت فرصة الأمريكان لبلوغ أهدافهم وتحقيق أجندتهم والتلذذ بسقوط صديق الأمس وممارسة العادات السبع التي أصبحت عشراً بالقانون الأمريكي، فهل بعد ذلك نأمن الجانب الأمريكي.. ؟! أجزم بأن لأمريكا ضلعاً في خروج البريطانيين من الاتحاد الأوروبي..! وأجزم بأن للأمريكان يداً طولى في الحروب العربية ومأساة العرب والمسلمين.. وما تدخلاتها في العراق، وسوريا، واليمن، والجزائر إلا امتداد لغاراتها النووية على اليابان وحربها في فيتنام، وها هي أمريكا لن تعود إلى السلام أو تبحث عنه، فديدنها أن لا صديق دائماً ولا عدو دائماً، بل المصلحة للأمة الأمريكية وأن تبقى أمريكا هي الأقوى وسيدة العالم حتى لو مات عشرات الملايين من البشر وهُدمت ملايين المنازل، فهذه قوانين في عالم الإنسانية لا وجود لها في أرض العم سام..!؟